باب كراهة الالتفات في الصلاة لغير عذر
لفضيلة الدكتور خالد بن عثمان السبت
أحاديث رياض الصالحين: باب كراهة
الالتفات في الصلاة لغير عذر.
١٧٦٤- عَنْ عَائِشَةَ رضِيَ اللَّه عَنْهَا،
قَالَتْ: سأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ
الالْتِفَاتِ في الصَّلاةِ فَقَالَ: «هُوَ اخْتِلاسٌ
يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاةِ الْعَبْدِ» [١] رواهُ
البُخَاري.
١٧٦٥- وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ، قَالَ:
قَالَ لي رسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِيَّاكَ وَالالْتِفَاتَ فِي الصَّلاةِ، فَإِنَّ
الالْتِفَاتَ في الصَّلاةِ هَلَكَةٌ، فإِنْ كَان لابُدَّ، فَفي التَّطَوُّعِ لاَ
في الْفَرِيضَةِ» [٢] رواه
التِّرمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ صَحِيحٌ.
الشرح:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
قال المُؤلِّفُ رحمهُ اللهِ تعالى، في كِتابِهِ (رياضِ الصّالِحين) بابٌ: كراهةُ الاِلتِفاتِ في الصّلاةِ لِغيْر عُذرٌ.
كأنه يشير بذلك إلى أن ذلك من قبيل كراهة
التنزيه، وليس من قبيل المحرم، وأنه إن كان لعذر، فإن ذلك جائز لا كراهة فيه، هذا
ظاهر هذه الترجمة، والله تعالى أعلم.
وقد أورد المصنف رحمه الله، في هذا الباب
حديث عَائِشَةَ رضِيَ اللَّه عَنْهَا، قَالَتْ: سأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الالْتِفَاتِ في الصَّلاةِ فَقَالَ: «هُوَ
اخْتِلاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاةِ الْعَبْدِ».
سألته عن الالتفات في الصلاة مطلقًا،
يعني: في الفريضة والنافلة، فقال: «هُوَ اخْتِلاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ
صَلاةِ الْعَبْدِ» الاختلاس
هو أخذ الشيء بسرعة وخفية، تقول: اختلس المال والمتاع، أخذه بسرعة وخفية، بمجموع
هذين الأمرين: السرعة والخفاء، فهذا "اخْتِلاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ
مِنْ صَلاةِ الْعَبْدِ"، يعني: أن الشيطان يوقع العبد في ذلك في الالتفات.
والمقصود بالالتفات: التفات الرأس، مع
بقاء المصلي متجهًا إلى القبلة، لكن رأسه يلتفت، فمثل هذا من عمل الشيطان، ومما
ينقص الشيطان به صلاة العبد.
فهذا الحديث بظاهره، لا يدل على التحريم.
وما يتعلق بالعذر: فالنبي ﷺ في غزوة حنين، أرسل عينًا في ناحية -أي: أرسل
رجلاً في ناحية-، فكان النبي ﷺ يترقب مجيئه من
قبل ناحية، فكان يصلي ويلتفت إلى تلك الناحية، فهذا لحاجة؛ لأنه عليه الصلاة
والسلام، يلتفت ليترقب مجيء هذا الرجل، فإذا كان الالتفات لحاجة، فلا إشكال فيه في
الفريضة وفي النافلة.
وفي خبر مرض النبي ﷺ لما مرض عليه الصلاة والسلام، ثم وجد نشاطًا،
فخرج، وأبو بكر يصلي بالناس، فجعل الناس يكبرون، فكان أبو بكر رضي الله عنه، لا يلتفت في الصلاة،
هكذا في الرواية، فلما أكثروا التفت رضي الله عنه، فرأى النبي ﷺ، فتأخر، فهذا التفات في صلاة الفريضة لحاجة.
فالمقصود: أن من مكروهات الصلاة:
الالتفات من غير حاجة، وهو اختلاس يختلسه الشيطان، أما إن كان لعذر لحاجة فلا
إشكال في ذلك، كأن تكون مثلاً المرأة تصلي وبجانبها صبي، فذهب إلى ناحية، يتخوف
منها، فالتفتت إلى الصبي مثلاً، أو أنه صاح فخافت أنه وقع به مكروه، فالتفت إليه،
فهذا لا إشكال فيه في الفريضة والنافلة.
ثم أورد المصنف -رحمه الله-: حديث
أنس رضي الله عنه، قال:
قال لي رسول الله ﷺ: «إِيَّاكَ
وَالالْتِفَاتَ فِي الصَّلاةِ، فَإِنَّ الالْتِفَاتَ في الصَّلاةِ هَلَكَةٌ، فإِنْ
كَان لابُدَّ، فَفي التَّطَوُّعِ لاَ في الْفَرِيضَةِ».
هذا الحديث لا يصح، ضعيف، ولو صح، فإنه
يمكن أن يستدل به على تحريم الالتفات في الصلاة.
فهنا إياك والالتفات هذا تحذير، وهو بمعنى
النهي الأكيد، والأصل أن النهي للتحريم، تقول: إياك وكذا، يعني: لا تفعل، ثم إن قوله: فإن
الالتفات في الصلاة هلكة، يعني:
يكون سببًا لذلك فإن كان ولا بدّ، ففي التطوع، لا في الفريضة لو صح، فإنه يدل على
التحريم، ولكنه لا يصح عن رسول الله ﷺ.
فنسأل الله عزَّ
وجلَّ، أن يوفقنا وإياكم للخير، وأن يرزقنا وإياكم النية والإخلاص والعمل
الصالح، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلّى الله على نبينا محمد وآله
وصحبه.
[١]
صحيح البخاري: (٧٥١).
[٢]
إسناده ضعيف جدا منقطع: الترمذي: (٥٨٩)، والبغوي في "شرح السنة"
(٣/٢٥٣/٢٥٤) قلت: إسناده ضعيف جدا فيه علتان، الأولى: عليّ بن زيد بن جدعان ضعيف،
الثانية: الإنقطاع بين سعيد بن المسيب وأنس بن مالك قال المنذري في
"الترغيب" (١/١٩١): رواية سعيد عن أنس غير مشهورة، قال المزي في
"تهذيب الكمال" (١١/٦٧): سعيد روى عن أنس من طريق ضعيف، قال ابن القيم
في "زاد المعاد" (١/٢٤٩): رواية سعيد عن أنس لا تعرف.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: