شرح حديث (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه) فذكر
باب
الحلم والأناة والرفق
أحاديث رياض الصالحين: باب
الحلم والأناة والرفق.
٦٣٧- وعن ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللَّهُ
عَنْهُما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ
لأَشَجِّ عبْدِ الْقَيْس: «إِنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ
يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الحِلْم، وَالأَنَاة» [١] رَواهُ
مُسلم.
٦٣٨- وعن عائِشةَ رضيَ اللَّه عنها، قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: «إِنَّ اللَّه رفيقٌ
يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّه» [٢] متفقٌ عَلَيْهِ.
٦٣٩- وعن عائِشةَ رضيَ اللَّه عنها، أَنَّ
النبيَّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ
اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى
العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ» [٣] رواه مسلم.
٦٤٠- وعن عائِشةَ رضيَ اللَّه عنها،
أَنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا
يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ» [٤] رواه مسلم.
الشرح:
ذكر المُؤلِّفُ رحمهُ اللهِ، هُنا في
سياقِ الأحاديثِ ما قالهُ النبي ﷺ لأَشَجِّ
عبْدِ الْقَيْس، قال له: «إِنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الحِلْم،
وَالأَنَاة».
الحِلْم: عندما يُثارُ الإنسانُ ويَجنى
عليه ويُعتدى عليه يحلُمُ، لكِنّه ليْس كالحِمارِ لا يُبالي بِما فعلًّ بِهِ،
يتأثّرُ لكِن يكونُ حليما لا يتعجّلُ بِالعُقوبةِ، حتّى إذا صارت العُقوبةُ خيْرا
مِن العفوِ أخذ بِالعُقوبةِ.
وَالأَنَاة: التّأنّي في الأُمورِ وعدمُ التّسرُّعِ،
وما أكثر ما يهلِكُ الإنسانُ ويُزِلُّ بِسببِ التّعجّلِ في الأُمورِ، وسواءٌ في
نقلِ الأخبارِ، أوْ في الحُكمِ على ما سمعٌ، أوْ في غيْر ذلِك.
فمِن النّاسِ مِثلا مِن يتخطّفُ الأخبارُ
بِمُجرّدٍ ما يسمعُ الخبرُ يُحدِّثُ بِهِ ويَنقُلُهُ، وقد جاء في الحديثِ: «كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ»
[٥].
ومِن النّاسِ مِن يتسرّعُ في الحُكمِ،
سمِع عن شخصٍ شيئاً مِن الأشياءِ، ويَتأكّدُ أنّهُ قالهُ أوْ أنّه فعلهُ ثُمّ
يتسرّعُ في الحُكمِ عليه، أنّه أخطأً أوْ ضلّ أوْ ما أشبه ذلِكً، وهذا غلطٌ،
التّأنّي في الأُمورِ، كُلُّه خيْر.
ثمّ ذكرً المُؤلِّفُ أحاديثُ عائِشةٌ
رضيَ اللهُ عنها، الثّلاثةُ في بابِ الرِّفقِ، وأنّ الرِّفق محبوبٌ إلى اللهِ عزَّ
وجلَّ، وأنّه ما كان في شيْءٍ إلّا زانهُ، ولا نزِع مِن شيْءٍ إلّا شانهُ، ففيه
الحثّ على أن يكونُ الإنسانُ رفيقا في جميع شُؤونِهِ، رفيقا في مُعاملةِ أهِلُّهُ،
وفي مُعاملةِ إخوانِهِ، وفي مُعاملةِ أصدقائِهِ، وفي مُعاملةٍ عامّة النّاسِ
يُرفِقُ بِهُم، فإنّ الله عزَّ وجلَّ، رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفقُ.
ولِهذا فإنّ الإنسان إذا عامل النّاس
بِالرِّفقِ يجِدُ لذّةً واِنشِراحًا، وإذا عامِلِهُم بِالشِّدّةِ والعُنفُ ندمّ،
ثمّ قال ليتني لم أفعل، لكِن بعد أن يفوت الأوانُ، أمّا إذا عامِلِهُم بِالرِّفقِ
واللّيِّنِ والأناة انشُرِح صدرهُ، ولم يندم على شيْءٍ فعلهُ.
وفّق اللّهُ الجميع لما فيه الخيْرُ
والصّلاّحُ وحُسنُ الأخلاقِ والآداب.
[١] صحيح مسلم: (١٧).
[٢] صحيح البخاري: (٦٩٢٧)، مسلم: (٢١٦٥).
[٣] صحيح مسلم: (٢٥٩٣).
[٤] صحيح مسلم: (٢٥٩٤).
[٥] صحيح مسلم: (٥).
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا
ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: