باب الخطبة قائما
فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ
الجُمُعَةِ، بَابُ الخُطْبَةِ قَائِمًا.
وَقَالَ أَنَسٌ: بَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ قَائِمًا.
٩٢٠- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ القَوَارِيرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ
يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَقْعُدُ، ثُمَّ يَقُومُ كَمَا تَفْعَلُونَ الآنَ.
الشرح:
قوله: (باب الخطبة قائما) قال ابن
المنذر الذي حمل عليه جل أهل العلم من علماء الأمصار ذلك، ونقل غيره
عن أبي حنيفة أن القيام في الخطبة سنة وليس بواجب،
وعن مالك رواية أنه واجب، فإن تركه أساء وصحت الخطبة، وعند الباقين أن
القيام في الخطبة يشترط للقادر كالصلاة، واستدل للأول بحديث أبي
سعيد الآتي في المناقب "أن النبي ﷺ
جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله"، وبحديث سهل الماضي
قبل "مري غلامك يعمل لي أعوادا أجلس عليها" والله الموفق.
وأجيب: عن الأول أنه كان في غير خطبة
الجمعة، وعن الثاني باحتمال أن تكون الإشارة إلى الجلوس أول ما يصعد وبين
الخطبتين، واستدل للجمهور بحديث جابر بن سمرة المذكور، وبحديث كعب
بن عجرة أنه دخل المسجد وعبد الرحمن بن أبي الحكم يخطب قاعدا،
فأنكر عليه وتلا: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: ١١]، وفي
رواية ابن خزيمة ما رأيت كاليوم قط إماما يؤم المسلمين يخطب وهو جالس،
يقول ذلك مرتين، وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس "خطب رسول الله ﷺ قائما، وأبو بكر، وعمر، وعثمان.
وأول من جلس على المنبر معاوية" وبمواظبة
النبي ﷺ على القيام، وبمشروعية الجلوس
بين الخطبتين، فلو كان القعود مشروعا في الخطبتين ما احتيج إلى الفصل بالجلوس؛
ولأن الذي نقل عنه القعود كان معذورا. فعند ابن أبي شيبة من
طريق الشعبي أن معاوية إنما خطب قاعدا لما كثر شحم بطنه ولحمه،
وأما من احتج بأنه لو كان شرطا ما صلى من أنكر ذلك مع القاعد فجوابه أنه محمول على
أن من صنع ذلك خشي الفتنة، أو أن الذي قعد قعد باجتهاد كما قالوا في
إتمام عثمان الصلاة في السفر، وقد أنكر ذلك ابن مسعود ثم إنه
صلى خلفه فأتم معه واعتذر بأن الخلاف شر.
قوله: (وقال أنس إلخ) هو طرف
من حديث الاستسقاء أيضا وسيأتي في بابه. ثم أورد في الباب حديث ابن عمر، وقد
ترجم له بعد بابين "القعدة بين الخطبتين" وسيأتي الكلام عليه ثم. وفي
الباب حديث جابر بن سمرة" أن
رسول الله ﷺ كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم
فيخطب قائما، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب" أخرجه مسلم، وهو
أصرح في المواظبة من حديث ابن عمر إلا أن إسناده ليس على شرط البخاري. وروى ابن
أبي شيبة من طريق طاوس قال "أول من خطب قاعدا معاوية حين كثر
شحم بطنه" وهذا مرسل، يعضده ما روى سعيد بن
منصور عن الحسن قال "أول من استراح في الخطبة يوم
الجمعة عثمان، وكان إذا أعيا جلس ولم يتكلم حتى يقوم، وأول من خطب
جالسا معاوية" وروى عبد
الرزاق عن معمر عن قتادة"
أن النبي ﷺ
وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يخطبون يوم الجمعة، حتى شق
على عثمان القيام فكان يخطب قائما ثم يجلس، فلما
كان معاوية خطب الأولى جالسا والأخرى قائما" ولا
حجة في ذلك لمن أجاز الخطبة قاعدا؛ لأنه تبين أن ذلك للضرورة.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: