باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد
فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ
الجُمُعَةِ، بَابُ مَنْ قَالَ فِي الخُطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ: أَمَّا بَعْدُ.
رَوَاهُ عِكْرِمَةُ، عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
٩٢٢- وَقَالَ مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي
فَاطِمَةُ بِنْتُ المُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَالنَّاسُ
يُصَلُّونَ، قُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ، فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا: إِلَى
السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا: أَيْ نَعَمْ، قَالَتْ:
فَأَطَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جِدًّا حَتَّى
تَجَلَّانِي الغَشْيُ، وَإِلَى جَنْبِي قِرْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَفَتَحْتُهَا،
فَجَعَلْتُ أَصُبُّ مِنْهَا عَلَى رَأْسِي، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ،
وَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا
بَعْدُ» قَالَتْ: وَلَغَطَ نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْكَفَأْتُ
إِلَيْهِنَّ لِأُسَكِّتَهُنَّ، فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا قَالَ؟ قَالَتْ: قَالَ:
«مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا قَدْ
رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَإِنَّهُ قَدْ
أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي القُبُورِ، مِثْلَ -أَوْ قَرِيبَ مِنْ-
فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ
بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ -أَوْ قَالَ: المُوقِنُ شَكَّ هِشَامٌ-
فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ، هُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَآمَنَّا
وَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا وَصَدَّقْنَا، فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا قَدْ
كُنَّا نَعْلَمُ إِنْ كُنْتَ لَتُؤْمِنُ بِهِ، وَأَمَّا المُنَافِقُ -أَوْ قَالَ:
المُرْتَابُ، شَكَّ هِشَامٌ- فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟
فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُ»
قَالَ هِشَامٌ: فَلَقَدْ قَالَتْ لِي فَاطِمَةُ فَأَوْعَيْتُهُ، غَيْرَ أَنَّهَا
ذَكَرَتْ مَا يُغَلِّظُ عَلَيْهِ.
الشرح:
قوله: (باب من قال في الخطبة بعد الثناء:
أما بعد) قال الزين
بن المنير: يحتمل
أن تكون "من" موصولة بمعنى "الذي" والمراد به النبي ﷺ كما في أخبار الباب، ويحتمل أن تكون شرطية، والجواب
محذوف والتقدير فقد أصاب السنة، وعلى التقديرين فينبغي للخطباء أن يستعملوها تأسيا
واتباعا، اهـ.
ملخصا.
ولم يجد البخاري في صفة خطبة
النبي ﷺ يوم الجمعة حديثا على شرطه، فاقتصر
على ذكر الثناء، واللفظ الذي وضع للفصل بينه وبين ما بعده من موعظة ونحوها.
قال سيبويه: "أما
بعد" معناها مهما يكن من شيء بعد. وقال أبو إسحاق هو الزجاج: إذا
كان الرجل في حديث فأراد أن يأتي بغيره قال أما بعد، وهو مبني على الضم؛ لأنه من
الظروف المقطوعة عن الإضافة، وقيل: التقدير أما الثناء على الله فهو كذا، وأما بعد
فكذا. ولا يلزم في قسمه أن يصرح بلفظ، بل يكفي ما يقوم مقامه. واختلف في أول من قالها،
فقيل داود- عليه
السلام- رواه الطبراني مرفوعا من حديث أبي موسى الأشعري وفي
إسناده ضعف، وروى عبد بن
حميد والطبراني عن الشعبي موقوفا أنها فصل الخطاب الذي
أعطيه داود، وأخرجه سعيد بن منصور من طريق الشعبي فزاد
فيه عن زياد بن سمية. وقيل:
أول من قالها يعقوب - عليه
السلام- رواه الدارقطني بسند رواه في غرائب مالك. وقيل:
أول من قالها يعرب بن قحطان، وقيل: كعب بن لؤي أخرجه القاضي
أبو أحمد الغساني من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بسند ضعيف، وقيل: سحبان
بن وائل، وقيل: قس بن ساعدة، والأول أشبه، ويجمع بينه وبين غيره بأنه بالنسبة
إلى الأولية المحضة، والبقية بالنسبة إلى العرب خاصة، ثم يجمع بينها بالنسبة إلى
القبائل.
قوله: (رواه عكرمة عن ابن
عباس) سيأتي
موصولا آخر الباب. ثم أورد في الباب أيضا ستة أحاديث ظاهرة المناسبة لما ترجم له:
أولها حديث أسماء بنت أبي بكر في كسوف الشمس، وفيه فحمد الله بما هو
أهله ثم قال: "أما بعد"، ثم ذكر قصة فتنة القبر، وسيأتي الكلام عليه في الكسوف،
وذكره هنا عن محمود وهو ابن غيلان أحد شيوخه بصيغة "قال محمود" وكلام أبي
نعيم في المستخرج يشعر بأنه قال "حدثنا محمود".
٩٢٣- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ الحَسَنَ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ ﷺ أُتِيَ بِمَالٍ -أَوْ سَبْيٍ-
فَقَسَمَهُ، فَأَعْطَى رِجَالًا وَتَرَكَ رِجَالًا، فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ
تَرَكَ عَتَبُوا، فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ،
وَأَدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي،
وَلَكِنْ أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الجَزَعِ
وَالهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ
الغِنَى وَالخَيْرِ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ» فَوَاللَّهِ مَا
أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
حُمْرَ النَّعَمِ، تَابَعَهُ يُونُسُ.
الشرح:
ثانيها: حديث عمرو بن تغلب- وهو بفتح المثناة وسكون
المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة- وفيه: فحمد الله ثم أثنى عليه ثم قال: "أما
بعد"، وسيأتي الكلام عليه في كتاب الخمس، ووقع هنا في بعض النسخ
"تابعه يونس" وهو ابن
عبيد. وقد
وصله أبو نعيم في مسند يونس بن عبيد له بإسناده عنه عن الحسن عن عمرو.
٩٢٤- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ، أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ،
فَصَلَّى فِي المَسْجِدِ، فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ،
فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ
النَّاسُ، فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ المَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ
الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ،
فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ
المَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى
الفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ،
لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، فَتَعْجِزُوا عَنْهَا» قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: تَابَعَهُ يُونُسُ.
الشرح:
ثالثها: حديث عائشة في قصة
صلاة الليل، وفيه: فتشهد ثم قال: "أما بعد"، وسيأتي الكلام عليه في
أبواب التطوع.
قوله: (تابعه يونس) هو
ابن يزيد، وقد وصله مسلم من طريقه بتمامه، وكلام المزي في
"الأطراف" يدل على أن يونس إنما تابع شعيبا في
"أما بعد" فقط وليس كذلك.
٩٢٥- حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ
أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَامَ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَتَشَهَّدَ
وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ» تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ،
وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ
السَّاعِدِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ»، تَابَعَهُ العَدَنِيُّ، عَنْ
سُفْيَانَ فِي «أَمَّا بَعْدُ».
الشرح:
رابعها: حديث أبي حميد
الساعدي أن رسول الله ﷺ قام عشية بعد
الصلاة فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: "أما بعد"، هكذا
أورده مختصرا بتمامه بهذا الإسناد في "الأيمان والنذور"، وفيه قصة ابن
اللتبية، ويأتي الكلام عليه تاما في الزكاة.
قوله: (تابعه أبو معاوية وأبو
أسامة عن هشام) يعني: ابن عروة عن أبيه عن أبي حميد، وقد
وصله مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة وأبي معاوية وغيرهما
مفرقا، وأورده الإسماعيلي من طريق يوسف بن
موسى حدثنا جرير ووكيع وأبو أسامة وأبو معاوية قالوا:
حدثنا هشام بن عروة به، وقد وصل المصنف رواية أبي أسامة في
الزكاة أيضا باختصار.
قوله: (وتابعه العدني عن سفيان) يحتمل
أن يكون العدني هو عبد الله بن الوليد وسفيان هو الثوري، ومن هذا الوجه
وصله الإسماعيلي، وفيه قوله: "أما بعد"، ويحتمل أن
يكون العدني هو محمد بن يحيى بن أبي عمر، وسفيان هو ابن عيينة، وقد
وصله مسلم عنه وأحال به على رواية أبي كريب عن أبي أسامة،
وقد تبين أن فيها قوله: "أما بعد"، وهو المقصود هنا، ولم أره مع ذلك في
مسند ابن أبي عمر.
٩٢٦- حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ
حُسَيْنٍ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ» تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ.
الشرح:
خامسها: حديث المسور بن مخرمة قال:
قام رسول الله ﷺ فسمعته حين تشهد يقول: "أما
بعد" وهذا طرف من حديثه في قصة خطبة عليّ بن أبي
طالب بنت أبي جهل، وسيأتي بتمامه في المناقب، ويأتي الكلام عليه ثم.
قوله: (تابعه الزبيدي) وصله الطبراني في
مسند الشاميين من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عنه عن الزهري بتمامه.
٩٢٧- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
أَبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الغَسِيلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ ﷺ المِنْبَرَ، وَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ
مُتَعَطِّفًا مِلْحَفَةً عَلَى مَنْكِبَيْهِ، قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ
دَسِمَةٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِلَيَّ»، فَثَابُوا إِلَيْهِ،
ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ هَذَا الحَيَّ
مِنَ الأَنْصَارِ، يَقِلُّونَ وَيَكْثُرُ النَّاسُ، فَمَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ
أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَاسْتَطَاعَ أَنْ يَضُرَّ فِيهِ أَحَدًا أَوْ يَنْفَعَ
فِيهِ أَحَدًا، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ».
الشرح:
سادسها:
حديث ابن عباس قال: "صعد النبي ﷺ المنبر
وكان -أي صعوده- آخر
مجلس جلسه" الحديث وفيه: "فحمد الله وأثنى عليه"، وفيه: ثم قال: "أما
بعد"، وسيأتي في (فضائل الأنصار) بتمامه ويأتي الكلام عليه ثم إن شاء الله
تعالى.
وفي
الباب مما لم يذكره عن عائشة في قصة الإفك وعن أبي سفيان في الكتاب إلى هرقل متفق
عليهما، وعن جابر قال: "كان رسول الله ﷺ
إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته" الحديث. وفيه: ويقول "أما بعد" فإن
خير الحديث كتاب الله. أخرجه مسلم، وفي رواية له عنه: "كانت خطبة النبي ﷺ يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه ثم يقول على أثر
ذلك وقد علا صوته" فذكر الحديث. وهذا أليق بمراد المصنف للتنصيص فيه على
الجمعة، لكنه ليس على شرطه كما قدمناه ويستفاد من هذه الأحاديث أن "أما بعد"
لا تختص بالخطب، بل تقال أيضًا في صدور الرسائل والمصنفات ولا اقتصار عليها في
إرادة الفصل بين الكلامين بل ورد في القرآن في ذلك لفظ: {هَذَا
وَإِنَّ} [ص: ٥٥]، وقد كثر استعمال المصنفين لها بلفظ "وبعد"
ومنهم من صدر بها كلامه فيقول في أول الكتاب "أما بعد حمد الله" فإن
الأمر كذا ولا حجر في ذلك وقد تتبع طرق الأحاديث التي وقع فيها "أما بعد"
الحافظ عبد القادر الرهاوي في خطبة (الأربعين المتباينة) له فأخرجه عن اثنين
وثلاثين صحابيا منها ما أخرجه من طريق ابن جريج عن محمد بن سيرين عن المسور بن
مخرمة "كان النبي ﷺ إذا خطب خطبةً قال:
أما بعد"، ورجاله ثقات وظاهره المواظبة على ذلك.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: