شرح حديث / من تعلم علما مما يبتغى به وجه اللّه

شرح حديث / من تعلم علما مما يبتغى به وجه اللّه
المؤلف احمد خليل
تاريخ النشر
آخر تحديث

 كتاب الأمور المنهي عنها: باب تغليظ تحريم الربا

شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

شرح – حديث – من – تعلم – علما – مما – يبتغى – به – وجه - اللّه

شرح حديث / من تعلم علما مما يبتغى به وجه اللّه


أحاديث رياض الصالحين: باب تغليظ تحريم الربا

 

١٦٢٦ - وَعَن ابنِ عُمَرَ رضي اللَّه عَنْهُما: أنَّ نَاسًا قَالُوا لَهُ: إنَّا نَدْخُلُ عَلي سَلاطِيننا فَنَقُولُ لهُمْ بِخِلافِ مَا نَتَكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهمْ، قالَ أبْنُ عُمَرَ رضي اللَّه عنْهُمَا: "كُنَّا نَعُدُّ هَذَا نِفَاقًا عَلي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ " رواه البخاري.

١٦٢٧ - وعنْ جُنْدُب بن عَبْدِ اللَّه بنِ سُفْيانَ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قالَ النبيُّ : «مَن سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، ومَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّه بِهِ» متفقٌ عَلَيهِ.

وَرَواهُ مُسْلِمٌ أيضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّه عَنْهُمَا.

«سمَّع» بتشديد الميم، ومعناه: أشهر عمله للناس رياءً.

«سمَّع الله به» أي: فضحه يوم القيامة.

ومعنى «مَن راءَى» أي: من أظهر للناس العمل الصالح؛ ليعظم عندهم.

«راءَى الله به» أي: أظهر سريرته على رؤوس الخلائق.

١٦٢٨ - وعَنْ أَبي هُريْرَةَ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مَنْ تَعَلَّم عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لا يَتَعَلَّمُهُ إلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا؛ لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَعْني: رِيحَهَا. رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيحٍ.

والأحاديثُ في الباب كثيرةٌ مشهورةٌ.

 

الشيخ:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّ الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تُوجب الحذر من الرياء، وأنَّ الواجب على المؤمن في جميع أعماله وجميع أقواله أن يُخلص لله وحده، وأن تكون أعماله وتعبّداته لوجه الله جل وعلا، من صلاة، وصوم، وقراءة، وحج، وغير ذلك؛ لأن الله جل وعلا أوجب على عباده أن يُخلصوا له العمل، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: ٥]، وقال جل وعلا: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: ٢]، وقال سبحانه: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر: ١٤]، وقال جل وعلا: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: ١١٠].

فالواجب على كل مسلم أن يُخلص لله في قراءته، في صلاته، في صومه، في حجه، في جهاده، في كل شيءٍ يريد وجهه الكريم، لا رياء الناس، ولا حمد الناس وثناءهم، فإنهم لن يُغنوا عنه من الله شيئًا، حمدهم وثناؤهم لن يُغني عنه من الله شيئًا، ولن ينفعه، بل يضره، ولكن الإخلاص لله والصدق في العمل هو الذي ينفعه عند الله وعند عباده.

 

ولهذا قال ابنُ عمر -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- في الذين يمدحون الأمراء إذا قابلوهم، ويذمونهم إذا خرجوا عنهم: أن هذا يُعَدُّ في عهد النبي من النفاق؛ لأنَّ المنافق يأتي هؤلاء بوجهٍ، وهؤلاء بوجهٍ، فله وجهان، بل عدة وجوه، فإذا جاء عند السلاطين أو عند مَن يرغب في دنياهم مدحهم، وإذا خرج ذمَّهم وعابهم، وهذا -والعياذ بالله- من قلَّة الأمانة وقلَّة المبالاة، ومن ضعف الإيمان، أو عدم الإيمان.

فالواجب على المسلم أن يُنصف، وإذا جلس مع الناس أن يقول الحق: فينصح المقصر، ويُذَكِّر الغافل، هكذا المؤمن، لا يكون مدَّاحًا بغير حق، بل يمدح على الخير، ويذم على الشر، ينصح إذا رأى تقصيرًا أو جفاءً، ويعظ ويُذَكِّر إذا رأى غفلةً، وهكذا.

 

ولهذا يقول : «مَن سمَّع سمَّع الله به، ومَن يُرائي يُرائي الله به»، سمَّع يعني: في الأقوال، كالقراءة ونحوها رياء، وراءَى يعني: في الأعمال، كالصلاة ونحوها، فالمعنى: أنه يُفضح يوم القيامة، يُراءَى به يوم القيامة: يُفضح يوم القيامة على رؤوس الأشهاد؛ لأنه فعل هذا رياءً، لا لقصد وجه الله جل وعلا.

فليحذر المؤمن أن يُراءَى به، وأن يُسَمَّع به يوم القيامة ويُفضح على رؤوس الأشهاد بسبب ريائه ونفاقه في الدنيا.

 

ويقول : «مَن تعلَّم علمًا مما يُبتغى به وجه الله لا يتعلّمه إلا ليُصيبَ به عرضًا من الدنيا لم يجد عرفَ الجنة» تعلَّم القرآن أو تعلَّم الفقه أو تعلَّم الحديث أو ما أشبه ذلك ليُصيب عرضًا من الدنيا، لا ليعمل به، ولا لطلب الآخرة، ولكن تعلمه ليُصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يعني: ريحها، هذا من باب الوعيد والتحذير.

ومن هذا حديث الثلاثة الذين هم أول مَن تُسَعَّر بهم النار يوم القيامة، ذكر منهم: العالم والقارئ الذي تعلَّم ليُقال: عالم، وقرأ ليُقال: قارئ، وذكر منهم صاحب الصدقة الذي بذل المال ليُقال: إنه جواد، إنه سخي، وذكر المقاتل الذي قاتل ليُقال: شجاع، ما قاتل لله، بل قاتل ليقال: إنه جريء شجاع، قال: أولئك أول مَن تُسَعَّر بهم النار؛ لعدم إخلاصهم في أعمالهم، بل فعلوها لغير الله؛ نسأل الله العافية.

 

والمقصود من هذا كله الحثّ على الإخلاص في أعمالك جميعها، والحذر من الرياء والشرك في جميع الأعمال، عملًا بقول الله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: ٥]، {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: ٢]، وحذَّر من الرياء في قوله جل وعلا: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} [النساء: ١٤٢-١٤٣] هذه حال المنافقين: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: ١] نعوذ بالله، نسأل الله العافية.


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

تعليقات

عدد التعليقات : 0