باب تغليظ تحريم الربا
كتاب الأمور المنهي عنها: باب تغليظ
تحريم الربا
شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
أحاديث
رياض الصالحين: باب تغليظ تحريم الربا
قَالَ
الله تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: ٥]، وقال تَعَالَى:
{لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى
كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} [البقرة: ٢٦٤]، وقال تعالى:
{يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ
إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: ١٤٢].
١٦٢٤
- وَعَنْ أبي هُريْرَةَ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ
يَقُولُ: «قَالَ اللَّه تعَالى: أنَا أَغْنى
الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّركِ، مَنْ عَملَ عَمَلًا أشْركَ فيهِ معي غيري تَركْتُهُ
وشِرْكَهُ» رواه مسلم.
١٦٢٥
- وَعَنْ أبي هُريْرَةَ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ
يَقُولُ: «إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ
الْقِيامَةِ عَليْهِ رجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعرَّفَهُ نِعْمَتَهُ،
فَعَرفَهَا، قالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيها؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى
اسْتُشْهِدْتُ، قالَ: كَذَبْتَ، وَلكِنَّكَ قَاتلْتَ لأنَ يُقالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ
قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلي وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ.
وَرَجُل تَعلَّم الْعِلْمَ وعَلَّمَهُ، وقَرَأ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ،
فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قالَ: فمَا عمِلْتَ فِيهَا؟ قالَ: تَعلَّمْتُ
الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأتُ فِيكَ الْقُرآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، ولكِنَّك
تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وقَرَأْتَ الْقرآنَ لِيُقالَ: هو قارئ،
فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ عَلي وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ في
النَّارِ، وَرَجُلٌ وسَّعَ اللَّه عَلَيْهِ، وَأعْطَاه مِنْ أصنَافِ المَال،
فَأُتِيَ بِهِ، فَعرَّفَهُ نعمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟
قَالَ: مَا تركتُ مِن سَبيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فيهَا إلَّا أنْفَقْتُ فِيهَا
لَك، قَالَ: كَذَبْتَ، ولكِنَّكَ فَعَلْتَ ليُقَالَ: هو جَوَادٌ، فَقَدْ قيلَ،
ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّارِ»
رواه مسلم.
«جَرِيءٌ» بفتح الجيم وكسر الراء
وبالمد أي: شجاع حاذق.
الشيخ:
الحمد
لله، وصلَّ الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما
بعد:
ففي
هذه الآيات الكريمات والأحاديث الحثّ على الإخلاص والصدق في العمل، والحذر من عمل
المنافقين، فالمنافقون يُراءون الناس، ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، كما قال
الله عنهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ
اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى
يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:
١٤٢]، وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ
رِئَاءَ النَّاسِ} [البقرة: ٢٦٤] يعني: أن أعماله باطلة، وقال جلَّ وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: ٥]، وقال جلَّ وعلا: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا
صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: ١١٠].
فالواجب
على جميع المكلَّفين إخلاص العمل: صلاتهم، وصومهم، وصدقاتهم، وسائر أعمالهم، يجب
أن تكون لله وحده، وأن يخصُّوا الله بها جل وعلا دون كل ما سواه، من: صدقة، حج،
صيام، صلاة، قراءة، تعليم، دعوة إلى الله، إلى غير ذلك، يكون قصدهم من ذلك وجه
الله والدار الآخرة، وأن ينفع المؤمنين، وينفع الناس، كما أمره الله.
أما
الرياء: فله حالان: رياء أكبر، وهو رياء المنافقين، وأهله في الدرك الأسفل من
النار -نعوذ بالله- وعلى هذا يُحمل حال الثلاثة: المقاتل في سبيل الله، والمتصدق،
والعالم القارئ، فأحدهم تعلَّم ليُقال: عالم، وقرأ ليُقال: قارئ، فلهذا أُمِرَ به
وسُحب على وجهه إلى النار، فما تعلَّم لله، ولا قرأ لله، ولا عمل بمقتضى علمه،
وهكذا الذي قاتل في سبيل الله، قاتل ليُقال: جريء، ليُقال: شجاع، فقد قيل، وهكذا
الآخر الذي أعطاه الله أصناف المال، وأنفق، أنفق ليُقال: سَخِيّ، ليُقال: جواد، لا
لله، فلهذا أُمِرَ بهم إلى النار -نسأل الله العافية- لعدم إخلاصهم في أعمالهم.
وهم
بين أمرين: إمَّا أن تكون أعمالهم نفاقًا كحال المنافقين، والمنافق في الدَّرْك
الأسفل من النار، وإما أن يكونوا عملوا هذه الأشياء كلها رياءً، وقد قال ﷺ:
«أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الأصغر»، فسُئل
عنه فقال: الرياء، والرياء يُحبط الأعمال التي قارنها، يُحبط الجهاد، ويُحبط
التعليم والقراءة والنفقة إذا صحبها الرياء وعدم الإخلاص، فالواجب الحذر، وفي
الحديث الصحيح: «مَن سمَّع سمَّع الله، ومَن راءَى
راءَى الله به».
فليحذر
المؤمن من قصد وجوه الناس، وحمدهم، وثنائهم، فإنَّهم لا ينفعونه ولا يضرونه، وإنما
يجب أن يقصد وجه الله في أعماله كلها، ويُخلص له العمل حتى تحصل له الثمرة والثواب
الجزيل من الله عز وجل.
والمقصود من
هذا كله أن يكون المؤمنُ في جميع أعماله له عناية وإقبال على الإخلاص والصدق
وتحمّل ما في ذلك؛ لأن الإنسان قد يتعب في قصد الإخلاص، ولكن يُجاهد نفسه، فالنفس
أمَّارة بالسوء، والشيطان يدعو إلى الرياء، فلا بد من جهادٍ وصدقٍ في أن تكون
أعماله كلها لله، من: تعليم، أو جهادٍ، أو صدقةٍ، أو غير ذلك، يقصد بها وجه الله
جل وعلا، لا رياء، ولا سمعة. نسأل الله للجميع التوفيق.
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم
مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: