شرح حديث/ بلغوا عني ولو آية
كتاب
العلم: باب فضل العلم علما وتعليما لله
شرح
العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
أحاديث رياض الصالحين: باب فضل
العلم علما وتعليما لله.
١٣٨٧- وَعَنْ سَهْلِ بْن سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِعَلِيٍّ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «فوالله لِأَنَّ يُهْدِي اللهُ
بِكَ رَجُلَا وَاحِدَا خَيْرٍ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» [١] متفق عليه.
١٣٨٨- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْروِ
بْن الْعَاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «بَلَغُوا
عَنِيَّ وَلَوْ آيَةً، وَحَدَّثُوا عَنْ بُنِّيِّ إسرائيل وَلَا حَرَجٌ، وَمِنْ
كَذَبَ عَلِيَّ مُتَعَمِّدًا فَلَيَتَبَوَّأُ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّار» [٢]
رواه البخاري.
الشيخ:
الحمد لله، وصل الله وسلم على رسول الله،
وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
هاذين الحديثين فيهما الحث على طلب العلم
والتفقه في الدين، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، خلق الخلق ليعبدوه كما قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
[الذاريات: ٥٦]، الجن والإنس جميعا مخلوقون ليعبدوا الله مأمورون بهذا، قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:
٢١]، وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا
تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: ٣٦]، وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: ٥]، وقال: {فَاعْبُدِ
اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}
[الزمر: ٢-٣]، فأنت مأمور بالعبادة، ما هي العبادة؟ لا بد أن تتفقه، لا بد تتعلم
تعرف هذه العبادة، والتعلم يكون من طريق القرآن والسُنّة وأهل العلم البصيرين بهذا
الشيء، تدرس القرآن، تدبر القرآن حتى تعرف مراد الله مما أنزل، هكذا السُنّة
تدرسها وتعتني بها وتسأل أهل العلم والفقهاء فيها حتى يرشدوك إلى ما أشكل عليك حتى
يعلموك، وربك يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ
إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣]، ويقول جَلَّ وَعَلاَ: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا}
[المائدة: ٩٢]، ويقول جَلَّ وَعَلاَ: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: ٧١]، ويقول جَلَّ وَعَلاَ:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ}
[النساء: ١]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: ١٠٢]، ومن التقوى التفقه في
الدين وطلب العلم، هذا من التقوى، وفي الحديث الصحيح المتفق عليه يقول ﷺ: «مَن يُرِدِ اللَّهُ
به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ» [٣]، متفق على صحته.
ولما بعث عليّا إلى أهل خيبر، النبي ﷺ يوم
خيبر حصر اليهود في خيبر المدة في أول السنة السابعة من الهجرة، لما رجع من
المهادنة من الصلح الحديبية، لما رجع قصد اليهود وحاصرهم، فهم أعدى الأعداء،
حاصرهم أياما ينالون منه وينال منهم، ثم في اليوم الذي فتح الله عليه في صبيحتها،
قال لعليّ: اذهب إليهم وادعهم إلى الإسلام وكان عليّ قد اشتكى عينيه، فقال
النبي ﷺ تلك الليلة: لأعطين الراية
غدا، الراية: البيرق غدا رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله شهادة عظيمة،
فلما أصبحوا غدوا على النبي ﷺ يسألونه؟
قال: أين عليّ؟ قالوا: هو يشتكي عينيه، فأرسل إليه فجيء به يقاد، فتفل في عينيه ﷺ، ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع، حالا هذه
من آية النبوة، فبرأ كأن لم به وجع فأعطاه الراية وقال: انفذ، يعني: سر على رسلك
على مهلك، لا تعجل، لا تكن طائشا، سر على مهلك بتؤدة وتأمل حتى تنزل بساحتهم، يعني:
بقربهم الجيش الإسلامي يقرب من العدو لا يتباعد؛ لأن قربه من العدو يشجعه على
القتال، ويوهن العدو ويسقط في يد العدو، ويكون من أسباب خضوعه للإسلام وإجابته
لدعوة الإسلام، ثم ادعهم إلى الإسلام، يعني: بعدما تنزل بساحتهم وتقرب منهم ادعهم
إلى الإسلام، قل لهم: يا ناس عباد الله ادخلوا في الإسلام، اشهدوا أن لا إله إلا
الله، اشهدوا أن محمدًا رسول الله، يرغبهم فيه، فإن أجابوا ودخلوا فالحمد لله هذا
المطلوب، وإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم.
فيه شهادة لعليّ أنه يحب الله ورسوله
ويحبه الله ورسوله، كل مؤمن يحب الله ورسوله، كل مؤمن يحبه الله ورسوله {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤]، لكن كون النبي يشهد لواحد معين أنه يحب
الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله منقبة عظيمة منقبة، ثم قال: «فوالله لِأَنَّ
يُهْدِي اللهُ بِكَ رَجُلَا وَاحِدَا خَيْرٍ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» هذه
عظيمة يحلف وهو الصادق وإن لم يحلف، كونه يهتدي واحد على يدي عليّ خير من جميع مال
الدنيا من ناقة حمراء، يعني: خير من الدنيا وما عليها، فهذا يدل على فضل الدعوة
إلى الله، وأنها من أهم القرب ومن أفضل الطاعات، والله يقول: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥].
ويقول النبي ﷺ: «بَلَغُوا عَنِيَّ وَلَوْ
آيَةً، وَحَدَّثُوا عَنْ بُنِّيِّ إسرائيل وَلَا حَرَجٌ، وَمِنْ كَذَبَ عَلِيَّ
مُتَعَمِّدًا فَلَيَتَبَوَّأُ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّار»، يعني: ليتخذ مكانا من
النار، يعني: يدل على وجوب التبليغ عن الله ورسوله، تبليغ الناس العلم القرآن والسُنّة
حتى يفهموا، حتى يتعلموا، حتى يستفيدوا بالقول والعمل والسيرة، وحدثوا عن بني
إسرائيل ولا حرج، فيه جواز التحديث عن بني إسرائيل أخبارهم؛ لأن عندهم عجائب عندهم
غرائب، فحدث عنهم عن بني إسرائيل عن عبد الله بن عمرو، وعن كعب الأحبار، وعن ابن
عباس، وعن غيرهم من أخبارهم وما جرى عليهم من العقوبات والنقمات، وما أكرم الله به
من هداه الله منهم فيها عظة وفيها عبر، والحذر من الكذب عليه ﷺ، يجب الحذر، الكذب على النبي ﷺ من أكبر الكبائر، فيجب الحذر من الكذب على
النبي ﷺ، ويقول ﷺ: في الحديث الصحيح: «مَن
دَعا إلى هُدًى، كانَ له مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ
ذلكَ مِن أُجُورِهِمْ شيئًا، ومَن دَعا إلى ضَلالَةٍ، كانَ عليه مِنَ الإثْمِ
مِثْلُ آثامِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن آثامِهِمْ شيئًا» [٤]،
وفق الله الجميع.
[١] صحيح البخاري: (٢٩٤٢)، مسلم: (٢٤٠٦).
[٢] صحيح البخاري: (٣٤٦١).
[٣] صحيح البخاري: (٧١)، مسلم: (١٠٣٧).
[٤] صحيح مسلم: (٢٦٧٤).
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا
ومنْكم صَالِح الأعْمال

ليست هناك تعليقات: