شرح حديث / مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم
كتاب العلم: باب فضل العلم علما وتعليما لله
الدرر السنية
شرح حديث / مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم
أحاديث رياض الصالحين: باب فضل
العلم علما وتعليما لله
١٣٨٦ -
وَعَنْ أَبِي مُوسًى- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مِثْلُ مَا بعثنِي اللهَ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ،
كَمِثْلُ غَيْثٍ أَصَابَ أرْضًا، فَكَانَتْ مَنُّهَا طَائِفَةَ طِيبَةٍ قَبَّلَتِ
الْمَاءُ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأُ، وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا
أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءُ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسُ، فَشَرَّبُوا
مِنْهَا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ طَائِفَةٌ مِنْهَا أُخْرَى إِنَّمَا هِي
قِيعَانٌ، لَا تَمَسُّكُ مَاءٍ، وَتُنْبِتُ كَلَأٌ، فَذَلِكَ مِثْلُ مَنْ فِقْهٍ
فِي دَيْنِ اللهِ، وَنَفَعَهُ مَا بعثنِي اللهَ بِهِ فَعِلْمٌ وَعِلْمٌ، وَمِثْلُ
مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يُقْبِلْ هُدَى اللهِ الَّذِي
أَرْسَلَتْ بِهِ» متفق عليه.
الشرح
النَّبيُّ
ﷺ
يضرِبُ لنا دائمًا أفضلَ وأسمى الأمثلة، وأبدَعَها، وأبلَغَها، وأوجزَها، الَّتي
بها تصِلُ المعلومة، وترسَخُ في الأذهانِ. فهنا يشبِّهُ لنا ﷺ العِلمَ الشَّرعيَّ
المستمدَّ مِن كتابِ الله تعالى وسنَّةِ نبيِّه ﷺ بالمطرِ الغزيرِ، الَّذي
ينزِلُ على أنواعٍ مختلفةٍ من الأرض:
أوَّلها:
الأرضُ الخِصبةُ النَّقيَّةُ، أي النقيَّةُ مِن الحشراتِ والدِّيدان الَّتي تفتِكُ
بالزَّرع، فهذه تقبَلُ الماءَ، أي: تشرَب مياهَ الأمطارِ، فتُنبِت النَّباتَ
الكثيرَ رطبًا ويابسًا، ومَثَلُها مَثَلُ العالِمِ المُتفقِّهِ في دِين الله،
العاملِ بعِلمه، المُعلِّم لغيرِه.
وثانيها:
الأرضُ المُجدِبة، المُمسِكةُ للماء، أي: الأرضُ الصُّلبةُ المُجدِبةُ، الَّتي لا
تُنبِت زرعًا، فكانت بمثابةِ خزَّاناتٍ ضخمةً، تحفَظ الماءَ، وتمدُّ به غيرَها،
فينتفِعُ بها النَّاس، فيشرَبون ويسقُون مواشيَهم، ويزرَعون الأراضيَ الخِصبةَ
بمائها، فهي وإنْ لم تنتفِعْ بالغيثِ في نفسِها، فإنَّها نفعَتْ غيرَها، مِن
الإنسانِ، والحيوانِ، والأراضي الأخرى، ومَثَلُها مَثَلُ العالم الَّذي يعلِّمُ
غيرَه، ولا يعمَلُ بعلمِه؛ فهو كالشَّمعةِ تُضيء لغيرِها، وتُحرِقُ نفسَها.
وثالثها:
الأرضُ السِّباخُ، الَّتي لا تُنبِت زرعًا، ولا تُمسِكُ ماءً، فهي لم تنتفِعْ بذلك
المطرِ في نفسِها، ولم تنفَعْ غيرَها به؛ لاستواءِ سطحِها وعدمِ إنباتها؛ فهي شرُّ
أقسامِ الأرضِ وأخبثُها، ومَثَلُها مَثَلُ المسلمِ الجاهل، أو المسلم العالم
الَّذي لم يعمَلْ بعلمِه، ولم يعلِّمْه غيرَه، وهو المقصودُ بقولِه: "مَن لم يرفَعْ بذلك رأسًا"، أو الكافر الَّذي
لم يدخُلْ في الدِّينِ أصلًا، وهو المقصودُ بقوله: "ولم
يقبَلْ هدَى اللهِ".
في
الحديثِ: أنَّ النَّاسَ إزاءَ هذا العلمِ الشَّرعيِّ والاستفادةِ منه على أربعةِ
أقسامٍ: عالمٌ عاملٌ معلِّمٌ لغيره، وهو أشرفُ الأقسامِ، ومِن ورَثةِ الأنبياء،
وعالمٌ يعلِّمُ غيرَه ولا يعمَلُ بعلمِه، فهذا ينفَعُ النَّاسَ ولا ينفَعُ نفسَه،
ويكونُ علمُه حجَّةً عليه، ومسلمٌ جاهلٌ أو عالمٌ لا يعلِّمُ غيره، ولا يعمَلُ
بعلمِه، هذا شرٌّ ممَّن سبق، وكافرٌ لم يدخُلْ في هذا الدِّين أصلًا، فهذا هو
أخبَثُ الأقسامِ وشرُّها وأشقاها.
وفيه:
فضلُ مَن علِم وعمِل وعلَّم؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ شبَّهه بخيرِ أجزاءِ الأرض
وأشرفِها وأزكاها، وهي "الأرضُ النَّقيَّة".
وفيه:
ضربُ الأمثال.
وفيه:
ذمُّ الإعراضِ عن العِلم.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات
النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث / مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم
Reviewed by احمد خليل
on
6:46:00 م
Rating:

ليست هناك تعليقات: