شرح حديث / ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها
كتاب الجهاد: باب فضل الجهاد
شرح العلامة
الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح حديث / ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها
١٣٢٢ - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رجل: أين أنا يا رسول
الله إن قُتلتُ؟ قال: «في الجنة» فألقى تمرات كن في
يده، ثم قاتل حتى قتل. رواه مسلم.
١٣٢٣ - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: انطلق رسول الله ﷺ وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء
المشركون، فقال رسول الله ﷺ: «لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا
دونه» فدنا المشركون، فقال رسول الله ﷺ: «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض» قال: يقول عمير بن
الحمام الأنصاري رضي الله عنه: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض قال: «نعم» قال: بخ بخ! فقال
رسول الله ﷺ: «ما يحملك على قولك بخ بخ؟» قال: لا والله يا
رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: «فإنك من أهلها» فأخرج تمرات من قرنه،
فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة! فرمى
بما معه من التمر. ثم قاتلهم حتى قتل. رواه مسلم.
القرن بفتح القاف والراء: هو جعبة النشاب.
١٣٢٤ - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: جاء ناس إلى النبي ﷺ أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة، فبعث
إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم: القراء، فيهم خالي حرام، يقرؤون القرآن،
ويتدارسونه بالليل يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء، فيضعونه في المسجد،
ويحتطبون فيبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي ﷺ، فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا:
اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا، وأتى رجل حراما خال أنس
من خلفه، فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة، فقال رسول الله ﷺ: «إن إخوانكم قد قتلوا وإنهم قالوا: اللهم بلغ
عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا» متفق عليه، وهذا لفظ
مسلم.
١٣٢٥ - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: غاب عمي أنس بن النضر - رضي الله عنه
- عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله
أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون، فقال:
اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -
يعني المشركين - ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب
النضر، إني أجد ريحها من دون أحد! قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع! قال
أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد
قتل ومثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس :كنا نرى - أو نظن -
أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ
عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ} إلى آخرها [الأحزاب:٢٣]
متفق عليه، وقد سبق في باب المجاهدة.
١٣٢٦ - وعن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ: «رأيت الليلة رجلين أتياني، فصعدا بي
الشجرة، فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل، لم أر قط أحسن منها، قالا: أما هذه الدار
فدار الشهداء» رواه البخاري.
وهو بعض من حديث طويل فيه أنواع العلم سيأتي في باب تحريم الكذب إن شاء
الله تعالى.
١٣٢٧ - وعن أنس - رضي الله عنه - أن أم الربيع بنت البراء وهو أم حارثة بن
سراقة، أتت النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله
ألا تحدثني عن حارثة - وكان قتل يوم بدر - فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك
اجتهدت عليه في البكاء، فقال: «يا أم حارثة إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى» رواه البخاري.
١٣٢٨ - وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: جيء بأبي إلى النبي ﷺ قد مثل به فوضع بين يديه، فذهبت أكشف عن وجهه
فنهاني قوم فقال النبي ﷺ: «ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها» متفق عليه.
١٣٢٩ - وعن سهل بن حنيف - رضي الله عنه - أن رسول الله ﷺ قال: «من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه
منازل الشهداء وإن مات على فراشه» رواه مسلم.
الشرح
هذه الأحاديث في فضل الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله
وأن لهم الجنة كما قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ
اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ
الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا
عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ} [التوبة:
١١١] وذكر المؤلف أحاديث كثيرة تدل على صدق الصحابة - رضي الله عنهم - وصدق
إيمانهم يخبرهم النبي ﷺ بما للشهداء فيدعون ما
بأيديهم من الطعام ويتركونه ويتقدمون إلى الجهاد في سبيل الله ثم يقتلون فيلقون
الله - عز وجل - راضين عنه وهو راض عنهم - جل وعلا - وهذا لا شك من فضائل الصحابة
- رضي الله عنهم - التي لا يلحقهم بعدهم أحد فيها.
هذا عمير بن الحمام الأنصاري - رضي الله عنه - لما قال
النبي ﷺ يوم بدر: «من
قاتلهم محتسبا مقبلا غير مدبر وجبت له جنة عرضها كعرض السماء والأرض» قال:
يا رسول الله جنة عرضها كعرض السماء والأرض قال: «نعم»
فأخرج تمرات من قرنه الذي يوضع فيه الطعام عادة ويأخذه المجاهد ثم جعل يأكل ثم
استطال الحياة - رضي الله عنه - وقال: والله لأن بقيت حتى آكل هذه التمرات إنها
لحياة طويلة ثم تقدم فقاتل وقتل - رضي الله عنه - وقد شهد له النبي ﷺ بالجنة.
وكذلك أنس بن المضر - رضي الله عنه - لقي سعد بن معاذ في
غزوة أحد وأخبره بأنه يجد ريح الجنة دون أحد قال ابن القيم: فهذه من الكرامات التي
يكرم بها الله من يشاء من عباده أن يجد ريح الجنة وهو في الأرض والجنة في السماء
لكن من أجل أن الله يثبت يقينه حتى يتيقنها وكأنها أمر محسوس عنده فقاتل حتى قتل
لأنه - رضي الله عنه - تأخر عن غزوة بدر وسبب ذلك أن كثيرا من الصحابة لم يخرجوا
في بدر لأنهم إنما خرجوا من أجل عير أبي سفيان التي جاء بها من الشام يريد بها مكة
ولم يخرجوا لقتال ولكن الله جمع بينهم وبين عدوهم من غير معاد فتخلف - رضي الله
عنه - لأنهم لم يؤمروا بالخروج إلى الغزو وإنما قال الرسول ﷺ: «من شاء أن يخرج
معنا فليخرج» فخرج من خرج وتخلف من تخلف لكنه قال رضي الله عنه: حين تخلف
عن هذه الغزوة غزوة بدر لإن أشهدني الله مشهد يعني غزوا في سبيل الله ليرين الله
مني ما أصنع ثم تقدم وجاهد وجالد وقاتل حتى قتل ووجدوا به بضعا وثمانين أو بضعا
وتسعين ضربة في جسد واحد مما يدل على أنه قد غامر وخاض صفوف المشركين لم تعرفه إلا
أخته بنانه وقال: رضي الله عنه وهو يجاهد: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء
يعني أصحابه الذين انكشفوا في غزوة أحد وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين.
فهذه القصص وأمثالها تدل دلالة واضحة على أن الله اختار
لنبيه ﷺ أفضل
الخلق وأنه مصداق قوله ﷺ: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم».
نسأل الله أن يبلغنا وإياكم منازل الشهداء وأن يجمع
بيننا وبينهم في جنات النعيم.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث / ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها
Reviewed by احمد خليل
on
3:20:00 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: