كتاب الفضائل - باب فضل قيام الليل
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن
عثيمين رحمه الله
كان النبي صل الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه
باب فضل قيام الليل الحديث
رقم 1167
وعن
عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي ﷺ
يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما
تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أكون عبدا شكورا).
متفق عليه.
وعن
المغيرة بن شعبة نحوه، متفق عليه.
الشرح
قال
المؤلف في كتابه رياض الصالحين باب فضل قيام الليل، وذكر آيات ثلاثا، تكلمنا عن
اثنتين منها، فهذه هي الثالثة، وهي قوله تعالى: ﴿كَانُوا
قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾
[الذاريات: ١٧-١٨] هذه من أوصاف
المتقين الذين أعد الله لهم الجنات والعيون، من أوصافهم أنهم كانوا لا يهجعون من
الليل إلا قليلا، وذلك أنهم يشتغلون بالقيام والتهجد وقراءة القرآن وغير ذلك.
قال
الله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ
أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ
الَّذِينَ مَعَكَ﴾ [المزمل: 20]
فكانوا يقومون من الليل، ثم إذا فرغوا من القيام رأوا أنهم مقصرون، فجعلوا
يستغفرون الله- عز وجل -، وبالأسحار يستغفرون.
وقال
تعالى في سورة آل عمران: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ
بِالْأَسْحَارِ﴾ [آل عمران: ١٧] أي
في آخر الليل.
ثم
ذكر الأحاديث في ذلك، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان يقوم من الليل ويطيل
القيام حتى تتفطر قدماه، لأن الدم ينزل فيها، فتتفطر، فقيل: كيف تفعل هذا وقد غفر
الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أحب أن
أكون عبدا شكورا) فجعل النبي صل الله عليه وعلى آله وسلم هذه الأعمال من
شكر نعمة الله- سبحانه وتعالى -، فدل ذلك على أن الشكر هو القيام بطاعة المنعم،
وليس الإنسان إذا قال: أشكر الله.
هذا
شكر باللسان، ولكن لا يكفي، لا بدَّ من الشكر بالجوارح والقيام بطاعة الله- عز وجل
-، وفي هذا دليل على تحمل النبي صل الله عليه وعلى آله وسلم للعبادة ومحبته لها،
لأنه لا يمكن لأحد أن يفعل ذلك إلا لمحبة شديدة، ولهذا قال: (جعلت قرة عيني في الصلاة) فالصلاة أحب الأعمال إلى
الرسول- عليه الصلاة والسلام -، وقد قام معه من الليل من أصحابه عبد الله بن
مسعود- رضي الله عنه -قام معه ذات ليلة فأطال النبي صل الله عليه وعلى آله وسلم
القيام قال عبد الله: حتى هممت بأمر سوء، قالوا: بما هممت يا أبا عبد الرحمن؟ قال:
هممت أن أجلس وأدعه.
وهو
شاب، أقل سنا من الرسول- عليه الصلاة والسلام -، ومع ذلك عجز أن يكون كالنبي صل
الله عليه وعلى آله وسلم.
ولكن
لو قال قائل: هل الأفضل في قراءة الليل أن أطيل القيام، أو أن أطيل السجود
والركوع؟ قلنا: انظر ما هو أصلح لقلبك، قد يكون الإنسان في حال السجود أخشع وأحضر
قلبا، وقد يكون في حال القيام يقرأ القرآن ويتدبر القرآن، ويحصل له لطائف من كتاب
الله- عز وجل -ما لا يحصل له في حال السجود، ولكن الأفضل أن يجعل صلاته متناسبة
إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود، وإذا قصر القيام قصر الركوع والسجود، حتى
تكون متناسبة كصلاة النبي ﷺ
والله أعلم.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات
النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم
صالح الأعمال
