فضل قيام الليل
كتاب الفضائل - باب فضل قيام الليل
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن
عثيمين رحمه الله
باب فضل قيام الليل
باب فضل قيام الليل
قال
الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ
نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ [الإسراء:
٧٩].
وقال
تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾
[السجدة: 16].
وقال
تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ
اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ [الذاريات:
17].
الشرح
قال
المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين باب فضل قيام الليل.
قيام
الليل يعني: الصلاة فيه وهو أفضل الصلاة بعد المكتوبة، كما سيأتي إن شاء الله في
الأحاديث.
وقد
ذكر الله سبحانه وتعالى الثناء على القائمين في الليل، فأمر نبيه ﷺ أن يتهجد، قال: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ فأمر الله نبيه أن يتهجد من الليل يعني
لا كل الليل، لأن قيام كل الليل ليس من السنة إلا أحيانا، كقيام عشر رمضان، وأما
البقية فالسنة أن ينام ويقوم.
قوله:
﴿فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾ اختلف
العلماء في قوله: ﴿نَافِلَةً لَّكَ﴾ فقيل:
المعنى أن هذا خاص بك يعني الوجوب، وجوب التهجد، لأن غير النبي ﷺ لا يجب عليه التهجد إلا أن
ينذره، إن نذر أن يتهجد لزمه الوفاء بالنذر وإلا فلا.
أما
النبي ﷺ
فإنه يجب عليه أن يتهجد من الليل، وقيل: المعنى ﴿نَافِلَةً
لَّكَ﴾ يعني أنه نافلة أي زيادة، فضل وهذا له ولغيره عليه الصلاة والسلام.
ثم
قال تعالى مبينا ما يكون من ثمرات التهجد، قال: ﴿عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ قال العلماء: إذا قال الله تعالى في القرآن عسى فهو واجب
يعني أن الله سيبعثك مقاما محمودا أي يبعثك يوم القيامة مقاما تحمد عليه من كل
الخلائق.
فلرسول
الله ﷺ
المقام المحمود يوم القيامة، ومنه الشفاعة العظمى، يعني من المقام المحمود للنبي ﷺ الشفاعة العظمى، وهي أن
الناس يوم القيامة يبعثون في صعيد واحد ليس هناك جبال ولا أشجار ولا بناء ولا
أنهار، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، لا يحول بينهم وبين الداعي شيء ولا بينهم
وبين الرائي شيء في صعيد واحد.
وتدنو
الشمس، تدنو الشمس منهم حتى تكون على قدر ميل، ويطول هذا اليوم حتى يكون مقداره
خمسين ألف سنة، سبحان الله، الإنسان ما يستطيع أن يقف ولا أربعا وعشرين ساعة، لكن
هذا اليوم مقداره خمسون ألف سنة.
فيلحق
الناس من الهم والكرب ما لا يطيقون، فيطلب بعضهم إلى بعض النظر في الأمر لعل أحدا
يشفع لهم عند الله- عز وجل -لكي يريحهم من هذا الموقف، يلهمهم الله- عز وجل -أن
يذهبوا إلى آدم، آدم أبو البشر، كل البشر أبوهم واحد وهو آدم عليه الصلاة والسلام،
وكما هو العادة أن الإنسان يفر إلى أقرب من يراه أنه أنفع، فيذهبون إلى أبيهم، ألا
ترى ما نحن فيه، إن الله خلقك بيده، وعلمك أسماء كل شيء وأسجد لك الملائكة، يعني
أعطاك خيرا كثيرا، فاشفع لنا إلى الله، فيعتذر يعتذر بماذا؟ يقول: إن الله نهاه عن
أكل الشجرة فأكل منها، وهذه معصية، فهو خجلان من الله عز وجل، فكيف يشفع لكم عند
الله؟ فيذهبون إلى نوح وهو أول الرسل من البشر، أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض
هو نوح صلى الله عليه وسلم فيذكرونه بنعمة الله عليه، أنه أول رسول أرسله الله إلى
أهل الأرض، ولكنه يعتذر، يعتذر بماذا؟ بقوله: ﴿رَبِّ
إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾
[هود: 45] لأن الله وعده أن ينجيه
وأهله وكان أحد أبنائه كافرا لم ينج من الماء حتى قال له نوح: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ
الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ [هود:
٤٢-٤٣] يعني ولا أركب معك لأن المياه عظيمة، فكيف كانت؟ السماء فتحها، في
قراءة ﴿فَفَتَحْنَا أبواب
السماء﴾ وفي قراءة ﴿فَفَتَّحْنَا أبواب السماء﴾
وهي أعظم فتح الله أبواب السماء بماء منهمر غزير أشد من القرب وفجرنا الأرض عيونا
حتى التنور الذي هو محل النار وهو أشد الأرض يبوسة وأبعدها من الماء، بدأ التنور
يفور فجرنا الأرض عيونا، كل الأرض إذا كان السماء فتحت بماء منهمر، والأرض فجرت
بالعيون كيف يكون منسوب المياه؟ يكون عظيما حتى صعد الماء إلى قمم الجبال.
وكانت
امرأة معها صبي من الكفار الذين كفروا بنوح معها صبي، كلما ارتفع الماء في الجبل
صعدت عليه، كلما ارتفع صعدت عليه، حتى وصل الماء إلى قمة الجبل فارتفع المنسوب
ووصل إلى كعبيها ثم إلى ركبتيها ثم ألجمها الماء فرفعت صبيها هكذا من أجل أن ينجو
من الغرق، فتغرق هي والولد ترجو أن ينجو من الغرق، قال النبي ﷺ: (لو نجا الله أحدا لنجى أم الصبي) لكن والعياذ بالله
قضى الله على أهل الأرض أن يغرقوا كلهم إلا من ركب في هذه السفينة.
ابن
نوح الذي كفر بأبيه أبى أن يركب، قال: ﴿سَآوِي إِلَىٰ
جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ قال له أبوه: ﴿لَا
عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا
الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ غرق لكن نوحا عليه الصلاة والسلام
قال: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ
وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ
مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ سبحان الله
كلام الله- عز وجل -لنبي من الأنبياء من أولي العزم: ﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾
فيأتون إلى نوح في ذلك اليوم نسأل الله أن ينجينا وإياكم من عذابه يأتون إلى نوح
ويقولوا اشفع لنا، فيذكر ذنبه أنه سأل ما ليس له به علم، والمذنب ليس له وجه يشفع،
المذنب لا يمكن أن يشفع عند من عصاه، لأنه ليس له وجه فيعتذر.
فيذهبون
إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم أبو الأنبياء الذي أمرنا أن نتبع ملته ويذكرونه
بنعمة الله عليه ولكنه يعتذر، يعتذر بأشياء ما تضره، ولكنه عليه الصلاة والسلام
بكمال إيمانه جعلها من الأشياء الضارة، فيذكر ما يذكر من العذر، ويقول: اذهبوا إلى
موسى.
يأتون
موسى ويذكرونه بنعمة الله عليه، ولكنه يعتذر، بماذا يعتذر؟ يقول: إنه قتل نفسا لم
يؤذن له بقتلها حين قتل القبطي الذي استغاثه عليه الإسرائيلي، إسرائيلي من بني
إسرائيل كان مع قبطي يتنازعان، وكان موسى من أشد الناس صرامة قويا شديدا، وهذا من
حكمة الله، لأن بني إسرائيل لا ينفعهم إلا الأقوياء الأشداء، فبعثه الله إلى بني
إسرائيل، فلما رأى هذا القبطي قد استغاثه الإسرائيلي عليه وكزه موسى يعني أعطاه
وكزة بيده، فقضى عليه.
فقال
يعتذر أنه قتل نفسا لم يؤم بقتلها، اذهبوا إلى عيسى، فيذهبون إلى عيسى ابن مريم
عليه الصلاة والسلام، الذي هو آخر الرسل قبل محمد عليه الصلاة والسلام، ليس بينه
وبينه نبي ولا رسول، ولكنه يعتذر دون أن يذكر شيئا، لكنه يدلهم على من هو أكمل
منه، وهو محمد صلوات الله وسلامه عليه أسأل الله تعالى أن يدخلني وإياكم في شفاعته
يأتون إلى محمد فيقول: (أنا لها) ويذهب ويسجد
تحت العرش بعد إذن الله- عز وجل -، ثم يؤذن له بالشفاعة فيشفع، فينزل الرب- عز وجل
-للقضاء بين عباده، فيقضي بينهم ويستريحون من هذا الموقف.
هذا
المقام يا إخواني هل يحمد عليه الرسول؟ نعم لا شك كل الأنبياء الكرام والرسل، أولو
العزم كلهم يعتذرون حتى تصل إلى الرسول ﷺ وانظر كيف كانت هذه السلسلة،
يعني لو شاء الله- تبارك وتعالى -لدلهم على محمد من أول الأمر، لكن ليظهر فضل هذا
النبي الكريم، صلوات الله وسلامه عليه، ويتحقق قوله تعالى: ﴿عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾
ونعم هذا المقام مقاما، فصلوات الله وسلامه عليه، وسيأتي إن شاء الله بقية الكلام
عن الآيات.
باب
فضل قيام الليل
قال
الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ
نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ وقال
تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾
وقال تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا
يَهْجَعُونَ﴾ قال المؤلف النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين باب فضل
قيام الليل، ثم ذكر قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمِنَ
اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا
مَّحْمُودًا﴾ وسبق الكلام على هذه الآية، ثم ذكر قول الله تبارك وتعالى: ﴿ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ هذا في
سياق قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا
الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ
وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [السجدة:
١٥] فوصفهم الله- عز وجل -بهذه الأوصاف الجليلة: إذا ذكروا بآيات الله خروا
سجدا، أي خروا سجدا فيما يتطلب السجود فلا يستكبرون عن وضع جباههم وأنوفهم على
الأرض بل يتذللون لله إذا أمر بالسجود سجدوا، ويحتمل أن يكون معنى قوله: ﴿خَرُّوا سُجَّدًا﴾ أي: أن المراد بذلك كمال التذلل
لله بالعبادة، سواء كان سجدة أو غيرها، ﴿وَسَبَّحُوا
بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ أي: سبحوا الله سبحانه وتعالى، وتسبيح الله يعني:
تنزيهه عن كل نقص وعيب، هذا هو التسبيح، سبحت الله يعني نزهته وبرأته من كل نقص
وعيب، لأنه- جل وعلا -كامل الصفات، إذ ينتفى عنه جميع النقائص.
وقوله:
﴿بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾
الباء للمصاحبة، أي سبحوا الله تسبيحا مقرونا بالحمد مصاحبا به.
والحمد
هو: وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم.
هذا
معنى الحمد، حمدت الله يعني: اعتقدت أن له أوصافا كاملة، وذكرت بلساني ذلك، فإن
كرر المدح صار ثناء، كما يدل على ذلك حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: قسمت الصلاة
بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال: حمدني عبدي، وإذا
قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى على عبدي ﴿وَهُمْ لَا
يَسْتَكْبِرُونَ﴾ يعني: لا يستكبرون عن عبادة
الله، إذا أمرهم الله امتثلوا الأمر بذل وخضوع، وشعور بالعبودية، وشعور بكمال
الألوهية والربوبية لله عز وجل.
﴿تَتَجَافَى﴾ أي: تتباعد جنوبهم، عن المضاجع، أي: عن
المراقد فهم يحيون الليل بالصلاة وذكر الله عز وجل، وإذا أتموا صلاتهم ختموا ذلك
بالاستغفار، كما قال تعالى: ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: ١٨] قال
بعض السلف: هذا يدل على كمال معرفتهم بأنفسهم، يقومون الليل، ثم يستغفرون في آخر
الليل خوفا من أن يكونوا قصروا مع الله عز وجل.
﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ يدعون الله
دعاء المسألة، ودعاء العبادة.
دعاء
المسألة أن يقولوا: يا ربنا اغفر لنا، يا ربنا أغننا، يا ربنا يسر أمورنا، يا ربنا
اشرح صدورنا هذا دعاء المسألة.
أما
دعاء العبادة أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويصوموا رمضان ويحجوا البيت، ويبروا
الوالدين، ويصلوا الأرحام إلى غير ذلك من العبادات، وكانت العبادة دعاء لأنك لو
سألت العبد: لأي شيء تعبد الله؟ لقال: لنيل رضوان الله- عز وجل -فهو داع بلسان
الحال وقد يصحبه دعاء بلسان المقال، فالصلاة مثلا فيها دعاء، يدعو الإنسان فيها
بدعاء ركن في الصلاة، إذا لم تدع في الصلاة بهذا الدعاء بطلت صلاتك، في أي موضع؟!
في الفاتحة ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾
هذا دعاء ركن في العبادة لو تركته ما صحت صلاتك، فالصلاة دعاء بلسان الحال ودعاء
بلسان المقال، ولهذا قال: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾
أي: يعبدونه ويسألونه.
﴿خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه،
لأنهم إن فعلوا المحرم عوقبوا، وإن تركوا المحرم وقاموا بالواجب أثيبوا، فهم
خائفون طامعون، وقيل: خوفا من ذنوبهم وطمعا في فضل الله، فالإنسان إذا نظر إلى
نفسه وإلى ذنوبه خاف، لأنها ذنوب أثقل من الجبال، وأكثر من الرمال نسأل الله تعالى
أن يعاملنا بعفوه وإن نظر إلى سعة رحمة الله وسعة عفوه، وأن العفو أحب إليه من
العقوبة، وأنه يفرح بتوبة عبده المؤمن، أشد من أي فرح في الدنيا كلها، قال النبي
عليه الصلاة والسلام: لله أشد فرحا اللام هذه للابتداء، وهي للتوكيد، لله أشد فرحا
بتوبة عبده من أحدكم كان معه راحلته عليها طعامه وشرابه فأضلت ضاعت منه في أرض
فلاة ما حوله أحد، فضاعت، طلبها فلم يجدها، فيئس من الحياة، فاضطجع تحت شجرة ينتظر
الموت، ما بقي إلا أن يموت، فإذا بخطام الناقة متعلقا بالشجرة خطام يعني: زمام
فقام وأخذه وقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك هو يريد أن يقول: اللهم
أنت ربي وأنا عبدك لكن من شدة الفرح قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، فالله- جل وعلا
-أشد فرحا بتوبة عبده من هذا الرجل براحلته.
إذا
نحن نطمع في فضل الله، ذنوبنا كثيرة عظيمة، لكن فضل الله أوسع، ورحمته أوسع، إذا
كانت الصلوات الخمس تكفر ما بينها إذا لم ترتكب الكبائر فهذا فضل عظيم، فعلى كل
حال، هم يدعون الله خوفا وطمعا، خوفا من عذابه، وطمعا في ثوابه، خوفا من ذنوبهم،
وطمعا في فضله، كل الأوجه صحيحة.
﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ من: للتبعيض
يعني: ينفقون بعض ما رزقناهم، لأنه لا ينبغي للإنسان أن يتصدق بكل ماله، ولهذا لما
قال أبو لبابة يا رسول الله إني أتصدق بكل مالي.
قال:
يكفيك الثلث، تصدق بالثلث حتى إن العلماء قالوا: إذا نذر الصدقة بماله كله أجزأه
ثلثه، لأن هذا هو المذكور فعلى هذا تكون (من) للتبعيض، يعني: ينفقون شيئا مما
رزقناهم.
وقيل: إن (من) للبيان، لبيان الجنس، فينفقون حسب الحال، قد
ينفقون قليلا أو كثيرا، الثلث، أو النصف، أو الكل، كما فعل أبو بكر رضي الله عنه
عندما حث النبي ﷺ
على الصدقة، فتصدق أبو بكر بكل ماله، وتصدق عمر بشطر ماله بالنصف قال: الآن أسبق
أبا بكر، لأن الصحابة يتسابقون، ليس حسدا ولكن تسابق في الخيرات فلما جاء بنصف
ماله وإذا أبو بكر قد تصدق بكل ماله، قال النبي ﷺ لأبي بكر: ماذا تركت لأهلك؟
قال: تركت لهم الله ورسوله.
قال لعمر: ما تركت؟ ! قال: تركت النصف، ثم قال عمر:
والله لا أسابقه على شيء أبدا بعد اليوم.
لأن أبا بكر رضي الله عنه له سوابق، فضائل لا يلحقه لا عمر،
ولا عثمان، ولا على، ولا من دونهم.
المهم أنهم ينفقون مما رزقهم الله.
فما
هو الجزاء وما هي الثمرة؟ ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ
مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
[السجدة: ١٧] اللهم اجعلنا منهم يا
رب.
لا
تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين، وذلك في جنات النعيم، فيها ما لا عين رأت، ولا
أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، أتظنون أن قول الله تعالى: ﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ [الرحمن:
٦٨] أتظنون أن النخل والرمان والفاكهة كالذي في الدنيا؟ لا والله، ليس في
الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء، اسم الرمان لكن لا يمكن أن يخطر على بالك،
اسم النخل لكن لا يخطر على بالك، اسم الفاكهة لكن ما تخطر على بالك: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ
أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ نسأل الله تعالى أن يجعلنا
وإياكم من هؤلاء الأبرار الكرام البررة إنه على كل شيء قدير.
قال تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ
مَا يَهْجَعُونَ﴾.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات
النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم
صالح الأعمال
فضل قيام الليل
Reviewed by احمد خليل
on
7:15:00 م
Rating:

ليست هناك تعليقات: