كتاب
الفضائل: بابُ
فَضْلِ السنَنِ الراتِبِة مَعَ الفَرَائِضِ وبيانِ أَقَلِّهَا وأَكْمَلِها وما
بينَهُما
شرح العلامة
الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح حديث/ ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى كل يوم ثنتي عشرة ركعة
أحاديث رياض الصالحين: بابُ فَضْلِ
السنَنِ الراتِبِة مَعَ الفَرَائِضِ وبيانِ أَقَلِّهَا وأَكْمَلِها وما بينَهُما.
١١٠٤- عنْ أُمِّ المؤمِنِينَ أُمِّ
حبِيبَةَ رَمْلةَ بِنتِ أَبي سُفيانَ رضيَ اللَّه عَنهما، قَالتْ: سَمِعْتُ رسولَ
اللَّه ﷺ يقولُ: «مَا
مِنْ عبْدٍ مُسْلِم يُصَلِّي للَّهِ تَعَالى كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عشْرةَ
رَكْعَةً تَطوعًا غَيْرَ الفرِيضَةِ، إِلاَّ بَنَى اللَّه لهُ بَيْتًا في
الجَنَّةِ، أَوْ: إِلاَّ بُنِي لَهُ بيتٌ فِي الجنَّةِ» [١] رواه مسلم.
١١٠٥- وعَنِ ابنِ عُمَر رَضيَ اللَّه
عنْهُما، قالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رسُول اللَّهِ ﷺ
رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، ورَكْعَتيْنِ بَعْدَ
الجُمُعةِ، ورَكْعتيْنِ بَعْد المغرِبِ، وركْعتيْنِ بعْد العِشَاءِ. [٢] متفقٌ
عَلَيهِ.
١١٠٦- وعنْ عبدِ اللَّهِ بن
مُغَفَّلٍ عُمَر رَضيَ اللَّه عنْهُ، قَالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: «بَيْنَ كُلِّ
أَذانَيْنِ صَلاةٌ، بيْنَ كلِّ أَذَانيْنِ صَلاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ
صَلاةٌ وقالَ في الثَالثَة: مَنْ شَاءَ» [٣] متفقٌ عَلَيهِ.
اَلْمُرَادَ بِالْأَذَانَيْنِ:
اَلْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ.
الشرح:
قال المؤلف رحمه الله تعالى، في كتابه "رياض
الصالحين" باب: فضل النوافل والسنن الراتبة التابعة للمفروضات.
واعلم أن من نعمة الله عزَّ وجلَّ، أن
شرع لعباده نوافل زائدة عن الفريضة لتكمل بها الفرائض؛ لأن الفرائض لا تخلو من نقص
ولولا أن الله شرعها لكانت بدعة، لكن من نعمة الله أن شرع هذه النوافل حتى تكمل
نقص الفرائض.
والنوافل أنواع متعددة وأجناس منها
الرواتب التابعة للمفروضات وهي اثنتا عشرة ركعة أربع قبل الظهر يسلم بين كل ركعتين
وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاة الفجر "من
صلاهن في كل يوم وليلة بنى الله له بيتا في الجنة" كما في حديث أم حبيبة رضي
الله عنها، والأفضل أن تصلى هذه الرواتب في البيت للمأموم والإمام؛ لأن
النبي ﷺ قال: «أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ المَرْءِ في بَيْتِهِ إلَّا
المَكْتُوبَةَ» [٤]، حتى لو كنت في مكة أو في المدينة فالأفضل أن تصلي هذه
السنن الراتبة في بيتك؛ لأن النبي ﷺ كان
يصليها في بيته ويقول: «أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ
المَرْءِ في بَيْتِهِ إلَّا المَكْتُوبَةَ».
وهناك نوافل تابعة للمفروضات، لكنها ليست
كهذه الرواتب وهو ما رواه عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: بين كل أذانين صلاة ثلاث مرات، وقال في
الثالثة: لمن شاء.
لئلا يتخذها الناس سُّنَّة راتبة وعلى
هذا فيكون بين كل أذانين، يعني: الأذان والإقامة، صلاة الفجر بين الأذان والإقامة سُّنَّة
راتبة، الظهر بين الأذان والإقامة سُّنَّة راتبة، العصر ليس لها راتبة قبلها ولا
بعدها لكن تدخل في هذا الحديث، أن الإنسان إذا أذن للعصر فليصل ركعتين قبل الإقامة،
المغرب كذلك ليس لها سُّنَّة راتبة قبلها لكن يسن أن يصلي ركعتين بعد الأذان، وقد
ورد فيها حديث بخصوصها قال: «صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ
الْمَغْرِبِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ»
[٥]، العشاء كذلك ليس لها راتبة قبلها لكن تدخل في الحديث أن يصلي بعد الأذان وقبل
الإقامة ركعتين، وإذا فاتت الرواتب التي قبل الصلاة فإنه يقضيها بعد ذلك وإذا كان
للصلاة سنتان قبلها بعدها وفاتته الأولى فإنه يبدأ أولا بالبعدية ثم ما فاتته.
مثال ذلك: دخل والإمام يصلي الظهر وهو لم
يصل راتبة الظهر فإذا انتهت الصلاة يصلي أولا الركعتين اللتين بعد الصلاة ثم يقضي
الأربع التي قبلها، الجمعة قال ابن عمر رضي الله عنهما، إن النبي ﷺ كان يصلي بعدها ركعتين. وثبت عنه ﷺ أنه أمر أن يصلي الإنسان بعدها أربع ركعات.
فقال: «إذا صلَّى أحدُكم الجمعةَ فليُصَلِّ بعدَها
أربعًا» [٦]، فقال بعض العلماء: يقدم القول وتكون راتبة الجمعة أربع ركعات،
وقال بعضهم: يجمع بين القول والفعل فتكون راتبة الجمعة ست ركعات، وقال بعضهم: إن
صليت في المسجد فأربع وإن صليت بالبيت فركعتان؛ لأن الرسول ﷺ كان يصليها بالبيت ركعتين، وقال: صلوا بعد
الجمعة أربعا. فإن صلى بالمسجد فأربع وإن صلى بالبيت فركعتان، والأمر في هذا واسع
إن شاء الله لك ينبغي للإنسان أن يحرص على هذه السنن الراتبة لما فيها من الخير
وتكميل ناقص الفرائض، والله أعلم.
[١] صحيح مسلم: (٦/٧).
[٢] صحيح البخاري: (١١٦٥)، مسلم: (٧،٨/٦).
[٣] صحيح البخاري: (٦٢٧)، مسلم: (١٢٤/٦).
[٤] صحيح البخاري: (٧٣١)، أخرجه النسائي:
(١٥٩٩)، وأحمد: (٢١٦٠٣)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٢٠٥٧) واللفظ
لهم جميعا.
[٥] صحيح البخاري: (١١٨٣).
الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا
بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال
