شرح / مقدمة باب إكرام الضيف
كتاب الأدب باب إكرام الضيف
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن
عثيمين رحمه الله
شرح / مقدمة باب إكرام الضيف
أحاديث رياض الصالحين
كتاب
الأدب باب إكرام الضيف
قال
الله تعالي:﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ
إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ
دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ
﴾] الذاريات24-27[
وقال
تعالى:﴿ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ
وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ
بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي
ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ﴾]
هود: 78[
الشرح
قال
المؤلف رحمه الله: (باب إكرام الضيف) والضيف: هو الذي ينزل بك مسافرا لأجل أن
تتلقاه بالإيواء والطعام والشراب وما يحتاج إليه والضيافة خلق فاضل قديم منذ عهد
إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام إن لم يكن قبل ذلك وسيذكر المؤلف إن شاء الله
أحاديث متعددة حول إكرام الضيف وأن إكرامه من الإيمان بالله واليوم الآخر ولكنه
رحمه الله كعادته يبدأ بالآيات الكريمة لأن القرآن مقدم على السنة فهو كلام الله
والحديث كلام رسول الله ﷺ
وكلامهما حق يجب تصديقه إن كان خبرا وامتثاله إن كان طلبا فذكر قول الله تعالى: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ
﴾ هل أتاك؟ الاستفهام هنا للتشويق من أجل أن ينتبه المخاطب والخطاب في قوله: ﴿ هَلْ أَتَاكَ ﴾ إما للرسول ﷺ
وإما له وللأمة أي لكل من يصح خطابه ﴿ هَلْ أَتَاكَ
حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ
دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا
﴾ وهؤلاء الضيف ملائكة أرسلهم الله عز وجل إلى إبراهيم ثم إلى لوط وقوله: ﴿ الْمُكْرَمِينَ ﴾ يعني الذين أكرمهم إبراهيم عليه
الصلاة والسلام: ﴿ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا
سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ﴾ قال العلماء إن قولهم سلاما يعني نسلم سلاما
وإن قوله سلام يعني عليكم سلام والثانية أبلغ من الأولي لأن المشروع لمن حيي بتحية
أن يحيى بأحسن منها أو بمثلها كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا
حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾] سورة النساء:86[وإنما كانت الثانية أبلغ من الأولى
لأن الأولى جملة فعلية والثانية جملة اسمية تفيد الثبوت والاستمرار ثم قال: ﴿ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ﴾ ولم يقل أنتم قوم لأن أنتم
صريح في الخطاب وهذا قد يكون مستبشعا عند بعض الناس فكان من حسن معاملته لضيفه أن
قال: ﴿ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ﴾ وقوم لو أخذناها
هكذا لكان يمكن أن يكون التقدير هم قوم أو أنتم قوم أو هؤلاء قوم ليست في الصراحة
كقوله أنتم قوم فلهذا حذف المبتدأ وصارت ﴿ قَوْمٌ
مُّنكَرُونَ ﴾ ومعنى كونهم منكرين أنه لا يعرفهم لأنه أول مرة يلتقي بهم ﴿ فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ ﴾ وكان عليه السلام كريما
ومعنى راغ: أي ذهب بسرعة وخفية ﴿ إِلَىٰ أَهْلِهِ
﴾ أي إلى بيته ﴿ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ﴾
جاء بعجل، وهي صغار البقر، لأن لحمه خفيف ولذيذ وكونه سمينا يكون أحلى للحمه
وأطيب، وفي الآية الأخرى أنه جاء بعجل حينئذ، أي محنوذ يعني مشوي لم يخرج من طعمه
شيء وهذا ألذ ما يكون من اللحم ﴿ فَقَرَّبَهُ
إِلَيْهِمْ ﴾ ولم يضعه بعيدا عنهم فيقول: تقدموا إلى الطعام، ولكن هو الذي
قربه لئلا يكون عليهم عناء ومشقة ومع ذلك لم يقل كلوا هكذا بصيغه الأمر ولكن قال:
﴿ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴾ وهذا عرض وليس بأمر وهو
أيضا من حسن معاملته لضيوفه ثم إن هؤلاء الضيوف ذهبوا إلى لوط بصورة شبان مرد ذوي
جمال وفتنة وكان قوم لوط والعياذ بالله قد ابتلوا بداء اللواط وهو إتيان الذكر،
فلما ذهبوا إلى لوط انطلق بعضهم إلى بعض يخبر بعضهم بعضا ويقولون جاء إلى لوط
مردان شبان ذوو جمال فجاءوا ﴿ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ
﴾ أي يسرعون ﴿ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ
السَّيِّئَاتِ ﴾ يعني كانوا يعملون الفاحشة وهي اللواط ﴿ َقَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ
لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ﴾ قال بعض
العلماء ﴿ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِ ﴾ يشير إلى بنات
القوم ما هن بناته من صلبه ولكنه يعني بذلك بنات قومه لأن النبي لقومه بمنزله الأب
لهم كأنه يقول عندكم النساء وهذا كقوله في آية أخرى: ﴿ أَتَأْتُونَ
الذِّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ
أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾]
سورة
الشعراء:164-166[يعني
من النساء ﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾
المهم أنه عليه الصلاة والسلام قال لهم: ﴿ فَاتَّقُوا
اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ ﴾ وقوله ﴿ هَٰؤُلَاءِ
بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾ هذا من باب التفضيل الذي ليس في الجانب
المفضل عليه منه شيء لأن إتيان الذكور ليس فيه طهارة كله خبث وخبائث كما قال
تعالى: ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي
كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ ﴾]
سورة
الأنبياء:74[لكن
هن أطهر لكم لأن فروج النساء تحل بالعقد ﴿ فَاتَّقُوا
اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ﴾
ولكن لم يكن منهم رجل رشيد والعياذ بالله ﴿ قَالُوا
لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا
نُرِيدُ ﴾ يعني تعلم أننا نريد هؤلاء الشباب الذين جاءوا إليك ﴿ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى
رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ فقالت الرسل ﴿ يَا لُوطُ
إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ﴾ ثم أرشدوه إلى أن يسري
بأهله ويدع البلدة وفي سورة القمر قال تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ
قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلاَّ آلَ
لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ نِعْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن
شَكَرَ وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ
عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ ]سورة القمر:33-37[قيل
إن الملائكة صفقوهم على وجوههم فعميت أبصارهم وقيل إن الله أعمى أبصارهم في نفس
الحال وعلى أي حال فإن قوله: ﴿ وَلَا تُخْزُونِ فِي
ضَيْفِي ﴾ يدل على أن الضيوف كانوا مكرمين عند لوط كما هم مكرمون عنه إبراهيم
عليه الصلاة والسلام والحاصل أنك إذا نزل بك ضيف فإنه يجب عليك أن تضيفه يوما
وليلة ولكن لا تفعل كما يفعل السفهاء تذهب وتتكلف وتصنع وليمة كبيرة ترمى معظمها
حتى إنا نسمع عن بعض الناس أنه إذا نزل به الضيف ذهب صاحب البيت من أجل أن يذبح له
ذبيحة فيقول الضيف لا تذبح على الطلاق ما تذبح فيقول الثاني على الطلاق أن أذبح
هذا غلط ومنكر فلا حاجة إلى اليمين في ذلك إما أن تذبح وإما أن لا تذبح وإذا
اضطررت إلى اليمين فليس هناك حاجة إلى اليمين بالطلاق لأن الحلف بالطلاق أمره ليس
بالهين فالأئمة الأربعة: مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وجمهور أتباعهم
يرون أن الحلف بالطلاق طلاق إذا حنث فيه الإنسان يعني إذا قلت على الطلاق ما
تفعلين كذا ففعلت طلقت زوجتك ولو أردت اليمين هذا مذهب جمهور الأمة وجميع الأئمة
المتبوعين من هذه الأمة إذا المسألة خطيرة وتهاون الناس بهذه المسألة غلط كبير ما
أسرع أن يقول الإنسان على الطلاق أن أفعل على الطلاق ما أفعل أو امرأتي طالق إن
فعلت أو امرأتي طالق إن لم أفعل وهذا غلط عظيم كيف تقول هذا الكلام وأكثر الأئمة
يرون أنك إذا حنثت طلقت امرأتك.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح / مقدمة باب إكرام الضيف
Reviewed by احمد خليل
on
1:14:00 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: