شرح حديث / من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا
باب
الإخلاص وإحضار النية
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح
حديث / من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا
أحاديث
رياض الصالحين: باب الإخلاص وإحضار النية
٩ - وعَنْ أبي
مُوسَى عبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الأَشعرِيِّ -رضِي الله عنه- قالَ: سُئِلَ رسولُ
الله ﷺ
عَنِ الرَّجُلِ يُقاتِلُ شَجَاعَةً، ويُقاتِلُ حَمِيَّةً ويقاتِلُ رِياءً، أَيُّ
ذلِك في سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُول الله ﷺ: «مَنْ قاتَلَ لِتَكُون كلِمةُ اللَّهِ هِي الْعُلْيَا فهُوَ
في سَبِيلِ اللَّهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
الشرح:
وفي
لفظ للحديث: «ويقاتل ليرى مكانه» أي: ذلك في
سبيل الله قال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا
فهو في سبيل الله».
قوله:
«من قاتل لتكون» في هذا إخلاص النية لله -عز
وجل- وهذا الذي ساق المؤلف الحديث من أجله؛ إخلاص النية.
فقد سئل الرسول ﷺ
عن الذي يقاتل على أحد الوجوه الثلاثة! شجاعة، وحمية، وليرى مكانه.
أما
الذي يقاتل شجاعة: فمعناه أنه رجل شجاع، يحب القتال؛ لأن الرجل الشجاع متصفٌ
بالشجاعة، والشجاعة لا بدَّ لها من ميدان تظهر فيه، فتجد الشجاع يحب أن الله
يُيَسرَ له قتالًا ويُظهر شجاعته، فهو يقاتل لأنه شجاع يحب القتال.
الثاني:
يقاتل حَمِيَّةً: حَمية على قوميته، حَمية على قبيلته، حَمية على وطنه، حَمية لأي
عصبيةٍ كانت.
الثالث: يقاتل ليُرى مكانه أي: ليراه الناس ويعرفوا أنه شجاع، فعدل النبي ﷺ عن ذلك، وقال كلمة
موجزة ميزانًا للقتال فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله
هي العليا فهو في سبيل الله».
وعدل
النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ذكر هذه الثلاثة؛ ليكون أعم وأشمل؛ لأن الرجل ربما
يقاتل من أجل الاستيلاء على الأوطان والبلدان، يقاتل من أجل أن يحصل على امرأة
يسْبيها من هؤلاء القوم، والنيات لا حدَّ لها، لكن هذا الميزان الذي ذكره النبي
-عليه الصلاة والسلام- ميزان تام وعدل، ومن هنا نعلم أنه يجب أن تُعدَّل اللهجة
التي يتفوَّه بها اليوم كثير من الناس.
لهجة قوم يقاتلون للقومية، القومية العربية، والقتال للقومية العربية قتال جاهلي،
من قُتِل فيه فليس شهيدًا، فَقَدَ الدنيا وخسر الآخرة، لأن ذلك ليس في سبيل الله،
القتال لأجل القومية العربية هو قتال جاهلي لا يفيد الإنسان شيئا، ولذلك على الرغم
من قوة الدعاية للقومية العربية لم نستفد منها شيئا، فاليهود استولَوا على بلادنا،
ونحن تفككنا، دخل في ميزان هذه القومية قوم كفار؛ من النصارى وغير النصارى، وخرج
منها قوم مسلمون من غير العرب، فخسرنا ملايين العالم، ملايين الناس؛ من أجل هذه
القومية، ودخل فيها قوم لا خير فيهم، قوم إذا دخلوا في شيء كُتب عليه الخذلان
والخسارة.
واللهجة الثانية: قوم يقاتلون للوطن، ونحن إذا قاتلنا من أجل الوطن؛ لم يكن هناك
فرق بين قتالنا وبين قتال الكافر عن وطنه. حتى الكافر يقاتل عن وطنه ويدافع عن
وطنه.
والذي
يقتل من أجل الدفاع عن الوطن -فقط- ليس بشهيد. ولكن الواجب علينا ونحن مسلمون وفي
بلد إسلامي-ولله الحمد- ونسأل الله أن يثبتنا على ذلك، الواجب أن نقاتل من أجل
الإسلام في بلادنا، وانتبه للفرق؛ نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا، فنحمي الإسلام
الذي في بلادنا، ونحمي الإسلام، لو كنا في أقصى الشرق أو الغرب. لو كانت بلادنا في
أقصى الشرق أو الغرب قاتلنا للإسلام وليس لوطننا فقط فيجب أن تصحح هذه اللهجة،
فيقال: نحن نقاتل من أجل الإسلام في وطننا لأنه إسلامي؛ ندافع عن الإسلام الذي
فيه.
أما
مجرد الوطنية فإنها نية باطلة لا تفيد الإنسان شيئا، ولا فرق بين الإنسان الذي
يقول إنه مسلم والإنسان الذي يقول إنه كافر؛ إذا كان القتال من أجل الوطن لأنه
وطن.
وما يذكر من أن (حب الوطن من الإيمان) وأن ذلك حديث عن رسول الله ﷺ كذب.
حب
الوطن إن كان لأنه وطن إسلامي فهذا تحبه لأنه إسلامي. ولا فرق بين وطنك الذي هو
مسقط رأسك، أو الوطن البعيد من بلاد المسلمين؛ كلها وطن الإسلام يجب أن نحميه.
على
كل حال يجب أن نعلم أن النية الصحيحة هي أن نقاتل من أجل الدفاع عن الإسلام في
بلدنا، أو من أجل وطننا لأنه وطن إسلامي، لا لمجرد الوطنية.
أما قتال الدفاع أي: لو أن أحدًا صال عليك في بيتك، يريد أخذ مالك، أو يريد أن
ينتهك عرض أهلك -مثلا- فإنك تقاتله كما أمرك بذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- فقد
سُئل عن الرجل يأتيه الإنسان ويقول له: أعطني مالك؟ قال: «لا تعطه مالك» قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: «قاتِله» قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فأنت شهيد» قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هو في النار»؛ لأنه معتدٍ ظالم؛ حتى وإن كان مسلمًا،
إذا جاءك المسلم يريد أن يقاتلك من أجل أن يخرجك من بلدك، أو من بيتك فقاتِله، فإن
قتلته فهو في النار، وإن قتلك فأنت شهيد، ولا تقل كيف أقتُلُ مسلمًا؟ فهو المعتدي،
ولو كتَّفنا أيدينا أمام المعتدين الظالمين الذين لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا
ذمةً ولا دينًا؛ لكان المعتدون لهم السلطة، ولأفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، ولذلك
نقول: هذه المسألة ليست من باب قتال الطَّلب.
قتال الطَّلب: معلوم أنني لا أذهب أقاتل مسلمًا أطلبه، ولكن أدفع عن نفسي، ومالي،
وأهلي، ولو كان مؤمنا؛ مع أنه لا يمكن أبدا أن يكون شخص معه إيمان يقدم على مسلم
يقاتله ليستولي على أهله وماله أبدًا.
ولهذا
قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «سباب المسلم فسوق
وقتاله كفر» لا إيمان لإنسان يقاتل المسلمين إطلاقًا فإذا كان الرجل فاقدًا
الإيمان، أو ناقص الإيمان؛ فإنه يجب أن نقاتله دفاعًا عن النفس وجوبًا؛ لأن النبي ﷺ قال: «قاتِلْه» وقال: «إن
قتلته فهو في النار» وقال: «وإن قتلك فأنت
شهيد» لأنك تقاتل دون مالك، ودون أهلك، ودون نفسك.
والحاصل
أن هناك قتالين: قتالًا للطلب؛ أذهب أنا أُقاتل الناس مثلًا في بلادهم، هذا لا
يجوز إلا بشروط معينة.
مثلًا قال العلماء: إذا ترك أهل قريةٍ الأذان؛ وهو ليس من أركان الإسلام، وجب على
وليِّ الأمر أن يقاتلهم حتى يؤذنوا؛ لأنهم تركوا شعيرة من شعائر الإسلام.
وإذا
تركوا صلاة العيد، وقالوا: لا نصلِّيها لا في بيوتنا، ولا في الصحراء؛ يجب أن
نقاتلهم، حتى لو فُرِض أن قومًا قالوا: هل الأذان من أركان الإسلام؟ قلنا: لا،
ولكنه من شعائر الإسلام؛ فنقاتلكم حتى تؤذنوا. وإذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين،
مثل: قبيلتان بينهما عصبية، تقاتلا، وجب علينا أن نصلح بينهما، فإن بغت إحداهما
على الأخرى وجب أن نقاتلها، حتى تفيءَ إلى أمر الله، مع أنها مؤمنة، ولكن هناك فرق
بين قتال الدفاع وقتال الطلب، الطلب: ما نطلبُ، إلا من أباح الشارعُ قتاله، وأما
الدفاع فلابد أن ندافع.
ونرجو
منكم أن تنبهوا على هذه المسألة؛ لأننا نرى في الجرائد والصحف: الوطن! الوطن!
الوطن! وليس فيها ذكر للإسلام، هذا نقص عظيم، يجب أن توجّه الأمة إلى النهج
والمسلك الصحيح، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يحب ويرضى.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: