شرح حديث/ من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا

شرح حديث/ من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا
المؤلف احمد خليل
تاريخ النشر
آخر تحديث

باب الإخلاص وإحضار النية

لفضيلة الدكتور خالد بن عثمان السبت

شرح – حديث – من – قاتل – لتكون – كلمة – الله – هي - العليا

شرح حديث/ من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا


أحاديث رياض الصالحين: باب الإخلاص وإحضار النية. 

٩- وعَنْ أبي مُوسَى عبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الأَشعرِيِّ رضِي الله عنه، قالَ: سُئِلَ رسولُ الله  عَنِ الرَّجُلِ يُقاتِلُ شَجَاعَةً، ويُقاتِلُ حَمِيَّةً ويقاتِلُ رِياءً، أَيُّ ذلِك في سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُول الله : «مَنْ قاتَلَ لِتَكُون كلِمةُ اللَّهِ هِي الْعُلْيَا فهُوَ في سَبِيلِ اللَّهِ» [١] مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.


الشرح:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد:

فمما أورده المصنف رحمه الله، في باب فضل الجهاد حديث أبي موسى رضِي الله عنه، أن أعرابيًا أتى النبي فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه [٢]، وفي رواية: يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، وفي رواية: ويقاتل غضبًا فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله : «مَنْ قاتَلَ لِتَكُون كلِمةُ اللَّهِ هِي الْعُلْيَا فهُوَ في سَبِيلِ اللَّهِ».

 

قوله: بأن أعرابيًا أتى النبي الأعرابي هو من سكن البادية، وهذه الكلمة لا تكافئ لفظة عربي، وإنما الأعراب هم أهل البادية، وهذا الأعرابي جاء تسميته في بعض الروايات أنه لاحق الباهلي، أتى النبي فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم....... كان أصحاب النبي يتهيبونه، ويتحفظون كثيرًا من الإكثار عليه بالسؤال، ويفرحون إذا قدم الأعرابي ليسأله.

فهذا أعرابي سأل النبي فقال: الرجل يقاتل للمغنم، يعني: خرج ليحصل غنيمة، يعني: لعرض دنيوي مادي، والرجل يقاتل ليذكر، يعني ليذكر من أجل السمعة، والرجل يقاتل ليرى مكانه، يرى مكانه، يعني: يعرف أنه شارك في المعركة، وأنه إيجابي، وأنه شجاع، وأنه يذود عن الحمى، وما أشبه ذلك، فلا يعير بعد ذلك أنه متخلف، أو أنه مع النساء، أو نحو ذلك، فتعرف له منزلته، ومكانته، وقدره.

 

وفي رواية: يقاتل شجاعة، يقاتل شجاعة، يعني: أنه جُبل على هذا، فيحمله هذا الطبع والخلق الذي جبل عليه على الإقدام، فإذا رأى مجالاً للقتال قاتل من غير قصد ما عند الله تبارك وتعالى، ويقاتل حمية، الحمية هو أن يقاتل غضبًا لقومه، وانتصارًا لهم، لقبيلته، لعشيرته.

وفي رواية: ويقاتل غضبًا، يعني: قد يستفز، فيقدم على القتال، والطبيعة الغضبية، النفس الغضبية تحرك الجوارح نحو القتال، ولذلك يجري الدم في أطراف الإنسان، وعروقه بقوة، فيكون فيه خفة للإقدام، ونزعة للانتقام، قال: فمن سبيل الله؟ فقال رسول الله : «مَنْ قاتَلَ لِتَكُون كلِمةُ اللَّهِ هِي الْعُلْيَا فهُوَ في سَبِيلِ اللَّهِ».

 

النبي أوتي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصارًا، فبين النبي بهذه الجملة من يكون قتاله في سبيل الله، فأخرج ذلك سائر المقاصد، والدوافع غير المشروعة، وإنما يكون قصده منحصرًا في الانتصار لله تبارك وتعالى، ولرسوله، ولدين الإسلام. من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا لا يريد أن يرفع من نفسه بهذا القتال، أو يحصل عرضًا من الدنيا، أو يكون ذلك ليرفع قومه، أو قبيلته، أو نحو ذلك، وهذا أمر لا يطلع عليه إلا الله تبارك وتعالى، من الذي يعلم أن هذا يقاتل لإعلاء كلمة الله، أو يقاتل لغرض آخر من هذه الأغراض، أو غيرها لا أحد يعلم بذلك، ولهذا لا يمكن الحكم على أحد ممن يقاتل، أو ممن قتل بأنه شهيد إلا لمن شهد له الله تبارك وتعالى، وشهد له رسوله ؛ لأن الله وحده هو الأعلم بمن يقاتل في سبيله، ولهذا أنكر عمر رضِي الله عنه، على أولئك الذين سمعهم يقولون: فلان شهيد، فلان شهيد، قال: تقولون لقتلاكم فلان شهيد، فلان شهيد، الله أعلم من يقاتل في سبيله، ولهذا نجد في مثل صحيح البخاري يبوبون بمثل هذا الباب: باب هل يقال فلان شهيد، ثم تذكر الأحاديث في الباب.

 

[١] صحيح البخاري: (١٢٣)، (٢٨١٠)، مسلم: (١٩٠٤).

[٢] صحيح البخاري: (٣١٢٦).


الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين

اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم

تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال

تعليقات

عدد التعليقات : 0