شرح حديث ( أهديتُ رسول الله حماراً وحشياً..) – فذكر
باب حُسن الخُلق
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين
رحمه الله
شرح حديث ( أهديتُ رسول الله حماراً وحشياً..)
شرح حديث (ما مسستُ ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله)
إن
الحمد لله تعالى ، نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونؤمن به ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله
تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا
هادي
والصلاة
والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين
الحديث رقم 627 - 628 باب حُسن الخُلق
627
- وعن انس رضي الله عنه قال: ما مسستُ ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله ﷺ ، ولا شممتُ رائحة
قط أطيب من رائحة رسول الله ﷺ
، ولقد خدمتُ رسول الله ﷺ
عشر سنين، فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلتهُ: لم فعلتهُ؟ ولا لشيءٍ لم
أفعلهُ: ألا فعلت كذا؟. متفق عليه.
628
- وعن الصعب بن جثامة رضي الله عنه قال: أهديتُ رسول الله ﷺ حماراً وحشياً،
فردهُ على، فلما رأى ما في وجهي قال: (إنا لم نرده عليك
إلا لأنَّا حُرُمٌ )
متفق عليه.
الشَّرْحُ
قال
المؤلف الحافظ النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب حسن الخلق ما نقله
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من يدي رسول
الله ﷺ.
وكان
أنس بن مالك رضي الله عنه قد خدم النبي ﷺ
عشر سنين؛ جاءت به أمه حين قدم النبي ﷺ
المدينة، فقالت: يا رسول الله، هذا أنس ابن مالك يخدمك، فقبل عليه الصلاة والسلام
أن يخدمه لله، ودعا له أن يبارك الله له في ماله وولده، فبارك الله له في ماله
وولده، حتى قيل إنه كان له بستان يثمر في السنة مرتين، من بركة المال الذي دعا له
رسول الله ﷺ
به، أما أولاده فبلغوا مائة وعشرين ولداً، أولاده من صلبه، كل هذا ببركة دعوة
النبي ﷺ.
يقول
إنه ما مس ديباجاً ولا حريراً ألين من يد رسول الله ﷺ ، فكانت يده ﷺ لينة إذا مسها
الإنسان فإذا هي لينة.
وكما
ألان الله يده فقد ألان الله سبحانه وتعالى قلبه، قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُم) ْ يعني
صرت ليناً لهم (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ
الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ
فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) (آل عمران: 159) .
وكذلك
أيضاً رائحته ﷺ
، ما شم طيباً قط أحسن من رائحة النبي ﷺ
، وكان عليه الصلاة والسلام طيب الريح كثير استعمال الطيب، قال: (حُبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة)
هو نفسه طيب ﷺ
، حتى كان الناس يتبادرون إلى أخذ عرقه ﷺ
من حسنه وطيبه، ويتبركون بعرق؛ لأن من خصائص الرسول ﷺ أننا نتبرك بعرقه
وبريقه وبثيابه، أما غير الرسول فلا يتبرك بعرقه ولا بثيابه ولا بِريقه.
يقول:
ولقد خدمت النبي ﷺ
عشر سنين، فما قال لي أفّ قط، يعني ما تضجر منه أبداً، عشر سنوات يخدمه ما تضجر
منه، والواحد منا إذا خدمه أحد أو صاحبه أحد لمدة أسبوع أو نحوه لابد أن يجد منه
تضجراً، لكن الرسول ﷺ
عشر سنوات وهذا الرجل يخدمه، ومع ذلك ما قال له أفّ قط.
ولا
قال لشيءٍ فعلت لما فعلت كذا؟ حتى الأشياء التي يفعلها أنس اجتهاداً منه ما كان
الرسول ﷺ
يؤنبه أو يوبخه أو يقول لما فعلت كذا، مع أنه خادم، وكذلك ما قال لشيء لم أفعله لم
لم تفعل كذا وكذا؟ فكان عليه الصلاة والسلام يعامله بما أرشده الله سبحانه وتعالى
إليه في قوله: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ
عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف: 199) .
والعفو
ما عفا من أخلاق الناس وما تيسر، يعني خذ من الناس ما تيسر، ولا تريد أن يكون
الناس لك على ما تريد في كل شيء، من أراد أن يكون الناس له على ما يريد في كل شيء
فاته كل شيء، ولكن خذ ما تيسر، عامل الناس بما إن جاءك قبلت وإن فاتك لم تغضب،
ولهذا قال: ما قال لشيء لم أفعله لِمَ لَم تفعل كذا وكذا، وهذا من حسن خلقه عليه
الصلاة والسلام.
ومن
حسن خلقه ﷺ
أنه كان لا يُداهن الناس في دين الله، ولا يفوته أن يطيب قلوبهم، فالصعب بن جثامة
رضي الله عنه مرّ به النبي ﷺ
، والنبي ﷺ
محرم، وكان الصعب بن جثامة عداءً رامياً، عداء: يعني سبوقاً، رامياً: يعني يجيد
الرمي. فلما نزل به النبي ﷺ
ضيفاً رأى أنه لا أحد أكرم ضيفاً منه، فذهب يصيد للرسول ﷺ صيداً، فصاد له
حماراً وحشياً وكان في الجزيرة العربية في ذلك الوقت كثيرٌ من الصيد، لكنها قلت
صاد له حماراً وحشياً وجاء به إليه فرده النبي ﷺ
فَصَعُبَ ذلك على الصعب؛ كيف يرد النبي ﷺ
هديته؟ فتغير وجهه، فلما رأى ما في وجهه طيب قلبه وقال: (إنا
لم نرده عليك إلا أنا حُرم) يعنى محرمون، والمحرم لا يأكل من الصيد الذي
صيد من أجله.
فلو
أن محرماً مر بك وأنت في بلدك وهو محرم وصدت له صيداً أو ذبحت له صيداً عندك، فإنه
لا يحل له أن يأكل منه، وذلك لأنه ممنوع من أكل ما صيد من أجله، أما إذا لم تصده
من أجله، فالصحيح أنه حلال له إذا لم تصده لأجله.
ولهذا
أكل النبي ﷺ
من الصيد الذي صاده أبو قتادة رضي الله عنه؛ لأن أبا قتادة لم يصده من أجل الرسول ﷺ ، وهذا أحسن ما قيل
في هذه المسألة، إنه إذا صيد الصيد من أجل المحرم كان حراماً عليه، وإن صاده
الإنسان لنفسه وأطعم منه المحرم فلا بأس.
قال
بعض العلماء: إن المحرم لا يأكل من الصيد مطلقاً؛ صيد من أجله أم لم يصد، قالوا
لأن حديث الصعب بن جثامة متأخر عن حديث أبي قتادة، فإن حديث أبي قتادة كان في غزوة
الحديبية في السنة السادسة، وحديث الصعب بن جثامة في حجة الوداع في السنة العاشرة،
ويؤخذ بالأخر فالآخر. ولكن القاعدة الأصولية الحديثية تأبى هذا القول؛ لأنه لا
يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، فإذا أمكن الجمع فلا نسخ، والجمع هنا ممكن،
وهو أن يقال: إن صيدَ لأجل المُحرم فحرام، وإن صاده الإنسان لنفسه وأطعم منه
المحرم فلا بأس.
ويؤيد
هذا حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي ﷺ
قال: (صيد البر حلالٌ ما لم تصيدوه أو يصد لكم)
، وهذا تفصيل واضح؛ ما لم تصيدوه أو يصد لكم.
والحاصل
أن هذا الحديث؛ حديث الصعب بن جثامة رضي الله عنه فيه فائدتان عظيمتان.
الأولي:
أن النبي ﷺ
لا يداهن أحداً في دين الله، وإلا قبل الهدية من الصعب، وسكت إرضاءً له ومداهنة
له، لكنه عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يفعل هذا.
الثانية:
أنه ينبغي للإنسان أن يجبر خاطر أخيه إذا فعل معه ما لا يحب، ويبين له السبب؛ لأجل
أن تطيب نفسه، ويطمئن نفسه، ويطمئن قلبه، فإن هذا من هدي النبي ﷺ ؛ والله الموفق.
الحمد لله
رب
العالمين
اللهُم إِرحَم
مَوتانا
مِن
المُسلِمين
وَإجمَعنا
بهِم
فيِ
جَنّات
النَعيمْ
تقبل الله
منا
ومنكم
صالح
الأعمال
شرح حديث ( أهديتُ رسول الله حماراً وحشياً..) – فذكر
Reviewed by احمد خليل
on
11:22:00 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: