شرح حديث/ لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر
باب
تحريم الكبر والإعجاب
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
أحاديث رياض الصالحين: باب تحريم الكبر
والإعجاب.
٦١٩- وعن حَارثَةَ بنِ وَهْبٍ -رضي
الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رسُولَ اللَّه ﷺ
يقولُ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ
عُتُلٍّ، جَوَّاظٍ، مُسْتَكْبِرٍ» متفقٌ عَلَيْهِ.
وتقدم شرحُه في بابِ ضَعفَةِ المسلمين.
٦٢٠- وعن أَبي سعيدٍ الخُدريِّ -رضي
الله عنه- عن النبيِّ ﷺ قَالَ: «احْتَجَّتِ الجَنَّةُ والنَّارُ، فقالتِ النَّارُ: فيَّ
الجَبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ، وقالَتِ الجنَّةُ: فيَّ ضُعَفاءُ النَّاسِ
ومَسَاكِينُهُمْ. فَقَضَى اللَّه بيْنَهُمَا: إِنَّكِ الجَنَّةُ رَحْمَتي،
أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وإِنَّكِ النَّارُ عذَابي، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ
أَشَاءُ، ولِكِلَيْكُما عليَّ مِلْؤُها» رواهُ مسلم.
٦٢١- وعن أبي هُريرة -رضي الله عنه- أَن رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: «لا يَنْظُرُ اللَّهُ
يَوْم القِيامةِ إِلى مَنْ جَرَّ إِزارَه بَطَرًا» متفقٌ عَلَيْهِ.
الشرح:
هَذِه أَحادِيث ساقهَا اَلمُؤلف
النَّوَويِّ -رَحمَه اَللَّه- فِي كِتَاب (رِيَاض الصَّالحين) فِي بابٍ: تَحرِيم
الكبر والْإعْجاب.
وقد سبق لَنَا الكلَام على الآيَات
الواردة فِي هذَا، وَكذَلِك الكلَام على الأحاديث اَلتِي ذكرهَا اَلمُؤلف -رَحمَه
اَللَّه- تَعالَى فِي هذَا اَلْباب.
ثُمَّ ذكر اَلمُؤلف -رَحمَه اَللَّه-
أنَّ اَلنبِي ﷺ قال: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّار» وَهذَا مِن الأسْلوب اَلذِي
كان اَلنبِي ﷺ يسْتعْمله، أن يُورد الكلَام
على صِيغة الاسْتفْهام، مِن أَجْل أن يَنتَبِه المخاطب وَيعِي مَا يَقُول، فَهُو
يَقُول: «أَلا أُخْبِرُكُمْ»، اَلكُل سَيقُول
نَعِم أخْبرْنَا يَا رَسُول اَللَّه. قال: «كُلُّ
عُتُلٍّ، جَوَّاظٍ، مُسْتَكْبِرٍ».
«العُتُلٍّ»:
مَعْنَاها اَلشدِيد اَلغلِيظ، ومنْه العتَلة اَلتِي تَحفِر بِهَا الأرْض، فَإِنهَا
شَدِيدَة غَلِيظَة، فالْعتلُّ هُو اَلشدِيد اَلغلِيظ، والْعياذ بِاللَّه.
«الجَوَّاظٍ»:
يَعنِي: أَنَّه فِيه زِيادة مِن سُوء الأخْلاق.
«المُسْتَكْبِرٍ»:
-وَهذَا هُو الشَّاهد- هُو اَلذِي عِنْده كِبر -والْعياذ بِاللَّه- وَغَطرسَة،
وَكبُر على اَلحَق، وَكبُر على اَلخُلق، فَهُو لَا يلين لِلْحقِّ أبدًا، ولَا
يَرحَم اَلخُلق، والْعياذ بِاللَّه.
هؤلاء هُم أَهْل النَّار، أَمَّا أَهْل
الجنَّة فَهْم الضُّعفاء المساكين الَّذين لَيْس عِنْدهم مَا يسْتكْبرون بِه؛ بل
هُم دائمًا مُتواضعون لَيْس عِنْدهم كِبْريَاء ولَا غِلْظَة؛ لِأنَّ اَلْمال
أحْيانًا يُفْسِد صاحبه، وَيحمِله على أن يَستكْبِر على اَلخُلق وَيرُد اَلحَق،
كمَا قال تَعالَى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ
لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: ٦-٧].
وَكذَلِك أيْضًا ذكر حديث اِحتِجاج
النَّار والْجَنَّة؛ اِحْتجَّتْ النَّار والْجَنَّة، فقالتْ النَّار: إِنَّ
أَهلَها هُم الجبَّارون المتكبِّرون، وقالتْ الجنَّة: إِنَّ أَهلَها هُم الضُّعفاء
والْمساكين، فاحْتَجَّتْ كُل وَاحِدة مِنهَا على اَلأُخرى.
فَحُكم اَللَّه بيْنهمَا عزَّ وجلَّ،
وَقَال فِي الجنَّة: (أَنْت رَحمَتِي أَرحَم بِك مِن أَشَاء)، وَقَال لِلنَّار: (أَنْت
عَذابِي أَعذَب بِك مِن أَشَاء) فصارتْ النَّار دار العذَاب والْعياذ بِاللَّه،
والْجَنَّة دار الرَّحْمة، فَهِي رَحمَه اَللَّه ويسْكنهَا الرُّحماء مِن عِباده،
كمَا قال اَلنبِي ﷺ: «وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اَللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ اَلرُّحَمَاءِ».
وقال: «ولِكِلَيْكُما
عليَّ مِلْؤُها» فَوعَد اَللَّه -عزَّ وجلَّ- النَّار ملأهَا، وَوعَد
الجنَّة ملأهَا، وَهُو لَا يُخلِّف الميعاد -عزَّ وجلَّ-.
وَلكِن أتدْرون مَاذَا تَكُون العاقبة؟
تَكُون العاقبة -كمَا ثَبتَت بِهَا الأحاديث الصَّحيحة- أنَّ النَّار لَا يَزَال
يَلقَى فِيهَا، وَهِي تَقُول كمَا قال تَعالَى: {يَوْمَ
نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [قّ: ٣٠]،
يَعنِي: تَطلُب الزِّيادة؛ لِأنَّهَا لَم تَمتَلِئ، فَيضَع اَلرَّب -عزَّ وجلَّ-
عليْهَا قَدمُه، فينْزَوي بَعضُها إِلى بَعْض، أي: يَنضَم بَعضُها إِلى بَعْض
وَتقُول: (قِطُّ قِطٍّ)، أيٍّ: حَسبِي، حَسبِي، لَا أُريد زِيادة فصارتْ النَّار
تَملَأ بِهَذه الطَّريقة.
أَمَّا الجنَّة فَإِن الجنَّة: {عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران: ١٣٣]،
ويسْكنهَا أَولِياء اَللَّه، جَعلَنِي اَللَّه وإيَّاكم مِنْهم، ويسْكنهَا أَهلُها،
ويبْقى فِيهَا فَضْل، يَعنِي: مَكَان لَيْس فِيه أحد، فَينشِئ اَللَّه لَهَا
أقْوامًا فيدْخلْهم الجنَّة بِرحْمَته. وَهذِه هِي النَّتيجة؛ اِمْتلَأتْ النَّار
بِعَدل اَللَّه عزَّ وجلَّ، وامْتلأتْ الجنَّة بِفَضل اَللَّه ورحْمَته.
ثُمَّ ذكر اَلمُؤلف -رَحمَه اَللَّه-
حديثًا فِي الإنْسان اَلمسْبِل، فَقَال عليْه الصَّلَاة والسَّلام: «لا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْم القِيامةِ إِلى مَنْ جَرَّ
إِزارَه بَطَرًا» وَهذِه مَسْأَلة خَطِيرَة وَذلِك أنَّ الرَّجل مَنهِي عن
أن يَنزِل ثَوبُه أو سِرْواله أو مِشلَحه أو إِزاره عن الكعْب، لَا بُدَّ أن
يَكُون مِن الكعْب فمَا فَوْق، فَمِن نزل عن الكعْب؛ فَإِن فِعْله هذَا مِن
الكبائر والْعياذ بِاللَّه؛ لِأَنه أن نزل كِبَرا وخيلَاء فَإنَّه لَا يَنظُر
اَللَّه إِلَيه يَوْم القيامة، ولَا يُكَلمه، ولَا يُزَكيه، وله عَذَاب أليم،
وَإِن كان نزل لِغَير ذَلِك كأن يَكُون طويلا ولم يُلاحِظْه، فَإنَّه ثبتَ عن
اَلنبِي ﷺ أنه قال: «مَا أَسْفَل اَلْكَعْبَيْنِ مِنْ اَلْإِزَارِ فَفِي
اَلنَّارِ».
فكانتْ العقوبة حَاصِلة على كُلِّ حالٍ
فِيمَا نزل عن الكعْبيْنِ، لَكِن إِن كان بطرًا وخيلَاء فالْعقوبة أَعظَم؛ لَا
يُكلِّم اَللَّه صَاحِبة يَوْم القيامة، ولَا يَنظُر إِلَيه، ولَا يُزَكيه، وله
عَذَاب أليم، وَإِن كان غَيْر خُيَلاء، فَإنَّه يُعذَّب بِالنَّار والْعياذ بِاللَّه.
فَإذَا قال قَائِل: مَا هِي السَّنَةُ؟ قُلنَا:
مِن الكعْب إِلى نِصْف السَّاق هَذِه هِي السَّنَةُ، نِصْف السَّاق سَّنَةُ، ومَا
دَونَه سَّنَةُ، ومَا كان إِلى الكعْبيْنِ فَهُو سَّنَةُ؛ لِأنَّ هذَا هُو لَبْس
اَلنبِي ﷺ وأصْحابه، فإنَّهم كَانُوا لَا
يَتَجاوَز لِباسهم الكعْبيْنِ، وَلكِن يَكُون إِلى نِصْف السَّاق أو يَرتَفِع قليلا،
ومَا بَيْن ذَلِك كُلُّه مِن السَّنَةُ، وَاَللَّه اَلمُوفق.
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن
المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح
الأعمال
ليست هناك تعليقات: