شرح حديث/ أرأيت إذا صليت المكتوبات وصمت

الأربعين النووية

شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

شرح حديث/ أرأيت إذا صليت المكتوبات وصمت - الأربعين النووية

الحديث الثاني والعشرون: الطريق إلى الجنة.

عَنْ أَبيْ عَبْدِ اللهِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النبي ﷺ فَقَالَ: أَرَأَيتَ إِذا صَلَّيْتُ المَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضانَ، وَأَحلَلتُ الحَلاَلَ، وَحَرَّمْتُ الحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلى ذَلِكَ شَيئاً أَدخُلُ الجَنَّة؟ قَالَ: «نَعَمْ» رواه مسلم [١].

 

الشرح:

الحديث الثاني والعشرون: حديث جَابِر بْن عَبْد اَللَّه الأنْصاري رَضِي اَللَّه عَنهُما، أنَّ رَجُلا سأل رَسُول اَللَّه ﷺ فَقَال: أَرَأَيتَ إِذا صَلَّيْتُ المَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضانَ، وَأَحلَلتُ الحَلاَلَ، وَحَرَّمْتُ الحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلى ذَلِكَ شَيئاً أَدخُلُ الجَنَّة؟ قَالَ: «نَعَمْ».

 

وَفِي حديث طَلحَة بْن عُبَيد اَللَّه -رَضِي اَللَّه عَنْه- أنَّ أعْرابيًّا جاء يَسأَل اَلنبِي ﷺ عن الإسْلام، فَقَال ﷺ: «خَمْس صَلَوات فِي اليوْم واللَّيْلة» فَقَال: هل عَلَيَّ غَيرهِنَّ؟ قال: «لَا، إِلَّا أنَّ تَطوُّع» فَقَال: أخْبرَني مَا فَرْض اَللَّه عَلِي مِن الصِّيَام، فَقَال ﷺ: «شَهْر رَمَضان» هل عَلَيَّ غَيرهٌ؟ فَقَال: «لَا، إِلَّا أنَّ تَطوُّع» وَذكَر لَه رَسُول اَللَّه ﷺ الزَّكَاة، فَقَال هل عَلَيَّ غيْرهَا؟ قال: «لَا، إِلَّا أنَّ تَطوُّع»، فأدبِّر الرَّجل، وَهُو يَقُول: وَاَللَّهِ، لَا أَزيَدُ على هذَا، ولَا أَنقُصُ مِنْهُ، فَقَال رَسُول اَللَّه ﷺ: «أَفلَحَ إِنَّ صِدْقَ»، أو «دَخْل الجنَّة إِنَّ صَدُقَ».

 

دلَّ ذَلِك على أنَّ الواجب على اَلمُؤمن أن يُؤدِّي هَذِه الفرائض، وأنَّ النَّافلة تَطوَّع، والصَّدقة تَطوَّع، والصِّيام غَيْر رَمَضان تَطوَّع، والْحجُّ غَيْر الفريضة تَطوُّع، الواجب الصَّلوات الخمْس، وَزَكاة اَلْمال، وصيام رَمَضان، وحجَّ بَيْت اَللَّه الحرَام، مَا زاد على هذَا مِن الصَّلوات؛ كَصَلاة الضُّحى، والتَّهجُّد بِاللَّيْل، والنَّوافل اَلأُخرى، فَكُله نَوافِل، صَدقَة التَّطَوُّع؛ إِلَّا مَا وجب مِن الكفَّارات والنُّذور، هَذِه لَهَا أَدلتِها، وهكذَا زَكَاة الفطْر لَهَا أَدلتِها، وهكذَا مَا شرع اَللَّه مِن صَلَاة اَلكُسوف، وَصَلاة الاسْتسْقاء، وَصَلاة الجنائز، كُلهَا لَهَا أَدلتِها الخاصَّة.

 

وهكذَا مَا شرع اَللَّه مِن النَّواهي، يَجِب على اَلمُؤمن أن يَلتَزِم بِذَلك، وأن يَنتَهِي عَمَّا نهى اَللَّه عَنْه مِن جميع المحارم: مِن الرِّبَا، والزنًا، والسَّرقة، والظُّلْم، والْغيْبة، والنَّميمة، وَغَيرهَا مِمَّا نهى اَللَّه عَنْه مِن سَائِر المعاصي.

 

فالْمسْلم يَنْقاد لِأَمر اَللَّه بِفعْل الأوامر وترْك النَّواهي عملا بِالْأدلَّة كُلهَا، والنُّصوص كُلهَا، فلَا يَرتَكِب مَا حرم اَللَّه، ولَا يدع مَا أَوجَب اَللَّه؛ بل يَلتَزِم بِمَا أَوجَب اَللَّه، وينْتَهي عَمَّا حرم اَللَّه، وَيقِف عِنْد حُدُود اَللَّه، ثُمَّ إِذَا زاد على هذَا مِن التَّطوُّعات وصدقَات النَّوافل، صَلَاة النَّافلة، صَوْم النَّافلة، حجُّ النَّافلة، فَهذَا كُلُّه خَيْر إِلى خَيْر، وهكذَا الأذْكار والتَّسْبيح والتَّهْليل والتَّحْميد والاسْتغْفار خَيْر إِلى خَيْر.

 

فالْمؤْمن يَتَزوَّد مِن كُلِّ خَيْر، ويسابق إِلى الخيْرات، ويسارع إِلى أَنوَاع الخيْر حَتَّى يَزْداد فَضلُه وأجْره وَحتَّى تَرتَفِع منْزلَته فِي اَلآخِرة فِي دار الكرامة، كُلمَا زاد العبْد فِي الخيْر زاد اَللَّه لَه فِي الأجْر، {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: ٦٠]، فالتَّزوُّد من التَّقْوى فِيه الخيْر اَلعظِيم، قال تَعالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: ١٩٧]. نَسأَل اَللَّه لِلْجمِيع التَّوْفيق [٢].

 

[١] "صحيح مسلم" (١٥).

[٢] ينظر: "شرح رياض الصالحين" (١٢٠٧)، (٣/ ٥٤١ - ٥٤٥).

الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال