شرح الحديث الخامس عشر/ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت - الأربعين النووية

شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

شرح الحديث الخامس عشر/ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت

الحديث الخامس عشر: إكرام الضيف.

عَن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرَاً أَو لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» رواه البخاري، ومسلم [١].

 

الشرح:

اَلحدِيث الخامس عشر: وَهُو حديث عظيم، مِن جَوامِع اَلكَلِم، يَقُول اَلنبِي ﷺ: «مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرَاً أَو لِيَصْمُتْ» إِمَّا أن يَتَكلَّم بِخَير، وَإمَّا أن يُمْسِك لِسانه حَتَّى يُسلِّم.

وَفِي حديث أُم سَلمَه رَضِي اَللَّه عَنهَا: «كُلُّ كَلَام اِبْن آدم عليْه لَا لَه؛ إِلَّا أمْرًا بِمعْروف، أو نَهيِيُ عن مُنكَر، أو ذِكْر اَللَّه» [٢]، فأنْتَ يَا عَبْد اَللَّه على خطر مِن هذَا اللِّسَان إِلَّا إِذَا صُنتُه وأمْسكتْه إِلَّا فِي خَيْر تَعلمُه.

 

قال ﷺ: «وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ»، وفي رواية: «مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إلى جارِهِ» [٣]، وفي رواية: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ اَلْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارُهُ» [٤]، فالْواجب إِكرَام اَلْجار والْإحْسان إِلَيه، وكفَّ الأذى عَنْه، يَقُول ﷺ: «يا نِساءَ المُسْلِماتِ، لا تَحْقِرَنَّ جارَةٌ لِجارَتِها، ولو فِرْسِنَ شاةٍ» [٥]، أيْ: ظِلْفَ شاهٍ، كمَا جاء فِي اللَّفْظ الآخر: «ظِلْفًا مُحْرَقًا» [٦]، فالْمقْصود اَلحَث على إِحسَان الجوَار، والتَّهادي بَيْن الجيران مِن الرِّجَال والنِّساء ولو بِالشَّيْء اَليسِير.

 

وقال ﷺ: «ومَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ»، فَجعَل إِكرَام الضَّيْف مِن مُوجبَات الإيمان، فدلَّ على وُجُوب إِكرَام الضَّيْف، وينْبَغي أن يُرَاعَى أَحوَال الضَّيْف وأحْوَال المضُيفِ، وَعرَف النَّاس، كُلُّ يُؤخَذ بِمَا يليق بِه.

وَفِي حديث أَبِي شُرَيح رَضِي اَللَّه عَنْه: «مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ»، قَالُوا: ومَا جائزَتهُ يَا رَسُول اَللَّه؟ قال: «يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ» [٧]، فالْجائزةُ غداؤُه وعشاؤُه، هذَا الواجبُ والْيَوْم الثَّاني والثَّالث سُنَّةُ، ومَا زاد فَهُو صَدقَة. وَفْق اَللَّه اَلجمِيع [٨].

 

[١] صحيح البخاري (٥٦٧٢)، وصحيح مسلم (٤٧).

[٢] رواه الترمذي (٢٤١٢)، وابن ماجه (٣٩٧٤)، وقال: "حديث غريب".

[٣] رواه مسلم (٤٧).

[٤] رواه البخاري (٦٠١٨)، ومسلم (٤٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[٥] رواه البخاري (٢٥٦٦)، ومسلم (١٠٣٠) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[٦] رواه أبو داود (١٦٦٧)، والترمذي (٦٦٥)، والنسائي (٢٥٧٤)، وابن خزيمة (٢٤٧٣)، وابن حبان (١١٧٧)، والحاكم (١٥٢٤) من حديث أم بجيد رضي الله عنها، والحديث صححه، وأقره الذهبي.

[٧] رواه البخاري (٥٦٧٣)، ومسلم (٤٨).

[٨] ينظر: "شرح رياض الصالحين" (١/٥٧٨)، (٣/٤١-٤٢)، (٤/٢٣٩).

الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال