شرح الحديث النبوي الشريف (لا حسد إلا في اثنتين) من رياض الصالحين
أحاديث
رياض الصالحين: باب فضل الغني الشاكر
٥٧٦
- وعن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قال: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: «لا حَسَدَ إِلَّا
في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ في
الحَقِّ، ورَجُلٌ آتَاه اللَّهُ حِكْمَةً فُهو يَقْضِي بِها وَيُعَلِّمُهَا»
متفقٌ عَلَيْهِ.
٥٧٧
- وعن أبْنِ عمر -رضي اللَّه عنهما- عن النَّبي ﷺ
قَالَ: «لا حَسَد إِلَّا في اثنَتَين: رَجُلٌ آتَاهُ
اللَّه القُرآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيل وآنَاءَ النَّهارِ، وَرَجُلٌ
آتَاهُ اللَّه مَالًا، فهوَ يُنْفِقهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وآنَاءَ النَّهارِ»
متفقٌ عليه.
«الآناء»
الساعات.
٥٧٨ -
وعن أبي هُريرة -رضي الله عنه- أنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسولَ
اللهِ ﷺ، فَقالوا: ذَهَبَ أَهْلُ
الدُّثُورِ بالدَّرَجَاتِ العُلَى، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، فَقالَ: «وَما ذَاكَ؟» فقالوا: يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي،
وَيَصُومُونَ كما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ
وَلَا نُعْتِقُ، فَقالَ رَسولَ اللهِ ﷺ:
«أَفلا أُعَلِّمُكُمْ شيئًا تُدْرِكُونَ به مَن
سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ به مَن بَعْدَكُمْ، وَلَا يَكونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنكُم
إلَّا مَن صَنَعَ مِثْلَ ما صَنَعْتُمْ؟» قالوا: بَلَى يا رَسولُ اللهِ،
قالَ: «تُسَبِّحُونَ، وَتَحْمَدُونَ، وَتُكَبِّرُونَ،
دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً» فَرَجَعَ فُقَرَاءُ
المُهَاجِرِينَ إلى رَسولِ اللهِ ﷺ،
فَقالوا: سَمِعَ إخْوَانُنَا أَهْلُ الأمْوَالِ بما فَعَلْنَا فَفَعَلُوا مِثْلَهُ!
فَقالَ رَسولِ اللهِ ﷺ: «ذلكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ» متفق
عليه، وهذا لفظ رواية مسلم.
«الدثُورُ»
الأموال الكثيرةُ. والله أعلم.
الشرح:
ذكر
المؤلف رحمه الله، أحاديث في بيان الذين ينفقون أموالهم ويجودون بها في سبيل الله،
ففي حديث عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- بيان أنه: لا حسد
إلا في اثنين، يعني: لا أحد يُغبط غبطة حقيقية إلا هذان الصنفان:
الأول:
من آتاه الله العلم وهو الحكمة، فكان يعمل بها ويعلمها الناس، فهذا هو الذي يغبط؛
لأنك إذا قارنت بين حال هذا الرجل وحال الجاهل عرفت الفرق بينهما؛ الجاهل يعبد
الله على جهل، ولا يعرف من شريعة الله إلا ما فعله الناس، فتجده يتبع الناس على
الصواب والخطأ، وهذا نقص كبير في عبادة الرجل؛ لأن الإنسان إذا عبد الله على غير
بصيرة؛ صارت عبادته ناقصة.
كذلك
إذا قارنت بين رجل آتاه الله العلم ولكنه لم يعمل به، ورجل آتاه الله العلم فعمل
به وعلمه الناس، تجد الفرق العظيم بين هذا وهذا، فالذي يغبط حقيقة هو الذي آتاه
الله العلم فعمل به وعلمه الناس.
والثاني:
رجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه في سبيل الله، في كل ما يرضي الله ليلًا ونهارًا،
فهذا هو الذي يغبط، أما من آتاه الله المال ولكنه لم ينفقه في مرضاة الله؛ فلا
غبطة فيه، ولا يغبط على ما أوتي؛ لأن هذا المال إن انتفع به؛ انتفع به في الدنيا
فقط؛ لأنه لا ينفقه لله ولا في سبيل الله.
والرجل
الثالث: رجلٌ فقيرٌ لم يؤت مالًا فهو أيضًا لا يغبط، فلا يغبط من ذوي المال إلا من
آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، فيما يرضي الله -عز وجلَّ.
ثم
ذكر حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- حين جاء فقراء المهاجرين إلى رسول الله ﷺ فقالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور،
(جمع أجر) بالدرجات العلى والنعيم المقيم.
قال:
«وما ذاك؟» قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون
ولا نعتق، يعني: فهم أفضل منا؛ لأن الله منَّ عليهم بالمال فبذلوه في طاعة الله،
وفيما يرضي الله.
فقال
عليه الصلاة والسلام: «أفلا أعلمكم شيئًا تدركون به
من سبقكم، وتسبقون من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟»
فقالوا: بلى يا رسول الله، قال: «تسبحون وتحمدون وتكبرون، دبر كل صلاة ثلاثًا
وثلاثين مرة» يعني: تقولون: سبحان الله ثلاثًا وثلاثين، والحمد لله ثلاثًا
وثلاثين، والله أكبر ثلاثًا وثلاثين، فصاروا يفعلون ذلك، لكن الأغنياء سمعوا بهذا
فصاروا يقولنه؛ يسبحون ويكبرون ويحمدون ثلاثًا وثلاثين دبر كل صلاة.
فرجع
الفقراء مرة ثانية إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالوا: يا رسول الله، سمع
إخواننا أهل الأموال بما صنعنا فصنعوا مثله، فقال -عليه الصلاة والسلام-: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» يعني: أن الله سبحانه
وتعالى، أغناهم وأعطاهم المال فبذلوه في طاعة الله، وهذا فضل الله.
وفي
هذا دليلٌ على أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يتسابقون إلى الخير؛ فالأغنياء
لما سمعوا بما أرشد إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- الفقراءَ بادروا إليه
وفعلوه، والفقراء جاءوا يشكون أنهم كانوا متأخرين عن أهل الأموال فقال لهم -عليه
الصلاة والسلام-: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء».
والخلاصة
أنه ينبغي للإنسان إذا آتاه الله المال أن يبذله فيما يرضي الله، فإن هذا هو الذي
يحسد، يعني: يغبط على ما آتاه الله من المال. والله الموفق.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: