شرح حديث / لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا
باب
فضل الزهد في الدنيا والحثّ عَلَى التَّقلل منها وفضل الفقر
شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
شرح
حديث / لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا
أحاديث
رياض الصالحين: باب فضل الزهد في الدنيا والحثّ عَلَى التَّقلل منها وفضل الفقر
٤٨٢ -
وعن أَبي هُرَيْرَة -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قالَ: سمعتُ رسولَ اللَّه ﷺ يقول: «أَلاَ
إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلعون مَا فِيهَا، إِلاَّ ذِكْرَ اللَّه تَعَالَى،
ومَا وَالاَه وَعالمًا وَمُتَعلِّمًا» رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ.
٤٨٣ - وعن عبد اللَّه
بنِ مسعودٍ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: «لا
تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا في الدُّنْيا» رواه الترمذي، وقال:
حديثٌ حسنٌ.
٤٨٤ - وعن عبد اللَّه بنِ
عمرو بنِ العاصِ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُما- قال: مَرَّ عَلَيْنَا رسولُ اللَّه ﷺ وَنحنُ نُعالجُ خُصًّا لَنَا فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» فَقُلْنَا: قَدْ وَهِي، فَنَحْنُ
نُصْلِحُه، فَقَالَ: «مَا أَرَى الأَمْرَ إِلاَّ
أَعْجَلَ مِنْ ذلكَ» رواه أَبو داود، والترمذيُّ بإِسناد البخاريِّ ومسلم،
وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
الشيخ:
هذه
الأحاديث كالتي قبلها في الحث على الرغبة في الآخرة والإعداد لها، والحذر من
الركون إلى الدنيا والاشتغال بها عن الآخرة، فينبغي للمؤمن أن تكون له همة عالية
وتشمير إلى دار السلام بالعمل الصالح، والرغبة فيما عند الله، ولا تشغله الدنيا
وشهواتها وتجاراتها عما أوجب الله عليه، ولهذا في الحديث يقول ﷺ: «الدنيا ملعونة
ملعون ما فيها» يعني: مذمومة مذموم ما فيها «إلا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما»، وما والاه،
يعني: من طاعة الله ورسوله والمؤمنين، هذا هو الذي يوالي ذكر الله أهل الإيمان
والتقوى، وكل ما هو مشروع للعباد وطاعة لله كله داخل في ذكر الله، أما الدنيا
وشهواتها وما يشغله عن الآخرة فمذموم، فالمراد باللعن هنا الذم كما قال جل وعلا،
في شجرة الزقوم: {إِنَّ شَجَرَتَ
الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي
الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان:٤٣-٤٦] فذمها عيبها وأنها
مشغلة عن الآخرة إلا ذكر الله وما والاه من طاعة الله واتباع مرضاته،
والدعوة إلى سبيله، والاستعانة بنعمه على طاعته، وكسب الرزق الحلال إلى غير هذا
مما هو مشروع ومباح، وعالما بشرع الله، ومتعلما يريد النجاة.
كذلك
الحديث الثاني في النهي عن اتخاذ الضيعة، فترغبوا عن الآخرة، يعني: المزارع هذا إن
صح فالمراد النهي عن الاشتغال بها عن الآخرة، ولكن في صحته نظر، فقد اتخذ الأنصار
-رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُم- مزارع عظيمة، ونفع الله بهم العباد بمزارعهم،
فاتخاذ المزارع والضيعات إذا لم تشغل عن الآخرة فلا حرج فيها، ولكن ينبغي للمؤمن
أن يحذر أن تشغله عن الآخرة، وأن تشغله مزارعه وتجاراته عن الآخرة.
وهكذا
حديث الخص واشتغالهم ما أرى الأمر إلا أسرع من ذلك، يعني: ينبغي للمؤمن
أن تكون همته ونشاطه وجده فيما يقربه من الله ويباعده من غضبه، وينبغي ألا تشغله
مصالح الدنيا وشهوات الدنيا وأعمال الدنيا عن الآخرة، فكل ما ورد في هذا الباب
محمول على هذا المحمل الذي يرضاه الله، وهو أن يشتغل بالدنيا فيما يرضي الله،
ويبتعد عنها إذا كانت تشغل عن الله كما تقدم في الحديث: لما سئل أي الكسب أطيب؟
قال: «عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور»،
وكذلك قوله ﷺ: «إن
خير ما أكل الإنسان من عمل يده، وإن داود كان يأكل من عمل يده» عليه
الصلاة والسلام، فالمؤمن مأمور بطلب الرزق من طريق الزراعة والتجارة وسائر
الأعمال، لكن على وجه لا يشغله عن الآخرة، بل يستعين بنعم الله على طاعة الله،
ويعمل بالأسباب التي تقربه من الله وتباعده عن الحاجة إلى الناس، وعما حرم الله
عليه من مزرعة أو تجارة أو حدادة أو خرازة أو كتابة أو نجارة أو غير ذلك مما هو
ينفع في الدنيا ويعينه ويسد حاجته عن الحاجة إلى الناس، وإنما المذموم أن يشتغل
بالدنيا على وجه يشغله عن الآخرة، ويصده عن الآخرة، وفق الله الجميع.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: