شرح حديث / أتيت رسول الله صل الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء
باب فضل البكاء من خشية الله تعالى وشوقا إليه
شرح العلامة
الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح
حديث / أتيت رسول الله صل الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء
أحاديث رياض الصالحين
باب
فضل البكاء من خشية الله تعالى وشوقا إليه
٤٥٥
- عَن عبد اللَّه بنِ الشِّخِّير - رضي اللَّه عنه - قال: أَتَيْتُ رسُولَ اللَّه ﷺ وَهُو يُصلِّي ولجوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ
المرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ. حديث صحيح رواه أبو داود. والتِّرمذيُّ في الشَّمائِل
بإِسنادٍ صحيحٍ.
٤٥٦
- عن أَنسٍ - رضي اللَّه عنه - قالَ: قالَ رسُولُ اللَّه ﷺ،
لأَبِيِّ بنِ كَعْبٍ - رضي اللَّه عنه -: «إِنَّ
اللَّه، عَزَّ وجَلَّ، أَمْرَني أَنْ أَقْرَأَ علَيْكَ: لَمْ يَكُن الَّذِينَ
كَفَرُوا» قَالَ: وَسَمَّاني؟ قال: «نَعَمْ»
فَبَكى أُبَيٌّ. متفقٌ عليه.
وفي
رواية: فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكي.
٤٥٧
- عن أَنسٍ - رضي اللَّه عنه - قالَ: قالَ أَبو بَكْرٍ لعمرَ - رضي اللَّه عنهما -
بعدَ وفاةِ رسول اللَّه ﷺ: انْطَلِقْ بِنا إلى
أُمِّ أَيمنَ - رضي اللَّه عنها - نَزُورُها كما كَانَ رسُولُ اللَّه ﷺ، يَزُورُها. فَلَمَّا انْتَهَيا إِليْها بَكَتْ.
فقَالا لها: ما يُبْكِيكِ؟ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّه تعالى
خَيْرٌ لِرَسُولِ اللَّه ﷺ! قالَتْ: إِني لاَ
أَبْكِي، أَنِّي لأَعْلَمُ أَنَّ ما عنْدَ اللَّه خَيرٌ لِرَسُولِ اللَّه ﷺ، ولكِنِّي أَبْكِي أَنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ
مِنَ السَّماءِ فَهَيَّجَتْهُما عَلي البُكاءِ، فَجَعَلا يَبْكِيانِ مَعهَا. رواهُ
مسلم.
وقد
سبق في باب زيارَةِ أَهل الخير.
٤٥٨
- عن ابن عَمَر - رضي اللَّه عنهما - قال: لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّه ﷺ وَجَعُهُ قيلَ لَهُ في الصَّلاَةِ فقال: «مُرُوا أَبا بَكْرِ فَلْيُصَلِّ بالنَّاسِ» فقالتْ
عائشةُ، رضي اللَّه عنها: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقيقٌ إِذا قَرَأَ القُرآنَ
غَلَبَهُ البُكاءُ فقال: «مُرُوهُ فَلْيُصَلِّ».
وفي رواية عن عائشةَ - رضي اللَّه عنها -
قالَتْ: قلتُ: إِنَّ أَبا بَكْرٍ إِذا قَامَ مقامَكَ لَم يُسْمع النَّاس مِنَ
البُكَاءِ. متفقٌ عليه.
٤٥٩ - عن إِبراهيمَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ
بنِ عوفٍ أَنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عَوْفٍ - رَضيَ اللَّه عنهُ - أُتِيَ بطَعامٍ
وكانَ صائمًا، فقالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيرٍ - رضيَ اللَّه عنه - وهُوَ
خَيْرٌ مِنِّي، فَلَمْ يُوجَدْ لَه ما يُكَفَّنُ فيهِ إِلاَّ بُرْدَةٌ إِنْ غُطِّي
بِها رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاُه، وإِنْ غُطِّيَ بها رِجْلاه بَدَا رأْسُهُ، ثُمَّ
بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا ما بُسِطَ أَوْ قالَ: أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيا مَا
أُعْطِينَا قَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنا عُجِّلَتْ لَنا. ثُمَّ جَعَلَ
يبْكي حَتَّى تَرَكَ الطَّعامَ. رواهُ البخاري.
الشـرح
هذه
الأحاديث التي ذكرها المؤلف في باب البكاء من خشية الله أو من الشوق إليه سبحانه
وتعالى، ذكر فيها عدة أحاديث، منها: حديث عبد الله ابن الشخير - رضي الله عنه -
أنه أتى النبي ﷺ وهو يصلي وكان لصدره أزيز
كأزيز المرجل.
المرجل:
القِدر يغلي على النار وله صوت معروف، وأزيز صدر النبي ﷺ
كان من خَشية الله بلا شك، فهذا بكاء من خشية الله.
وذكر
حديث أنس أن النبي ﷺ قال لأُبي بن كعب"
إن الله - عز وجل - أمرني أن أقرأ عليك {لَمْ يَكُنِ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ}
[البينة: ١]، فقال: وسماني لك؟ قال: "نعم".
فبكى أُبي.
لكن
هذا البكاء يحتمل أن يكون شوقًا إلى الله - عزَّ وجلَّ - لأن أمر نبيه ﷺ أن يقرأ هذه السورة على أُبي تدل على رفعة أُبي بن
كعب - رضي الله عنه - ويحتمل أن يكون ذلك من الفرح؛ فإن الإنسان ربما يبكي إذا
فرح، كما أنه يبكي إذا حزن.
ثم
ذكر المؤلف رحمه الله أحاديث كلها تدل على البكاء على الحزن على ما مضى، منها حديث
- أم أيمن رضي الله عنها - حين زارها الصحابيان: أبو بكر وعمر، أتيا إليها كما كان
النبي ﷺ يزورها، فلما أتيا إليها بكت فقالا
لها: "ما يبكيك"؟ أما علمت أن ما عند الله خير لرسوله ﷺ؟ قالت بلى إني لا أبكي أني لا أعلم". يعني:
بل أنا أعلم" ولكن أبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء" انقطع الوحي
" فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها".
وكذلك
حديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - حين جيء إليه بالطعام وهو صائم، والصائم
يشتهي الطعام عادة، ولكنه - رضي الله عنه - تذكر ما كان عليه الصحابة الأولون، وهو
- رضي الله عنه - من الصحابة الأولين من المهاجرين - رضي الله عنهم - لكنه قال
احتقارًا لنفسه قال: إن مصعب بن عمير - رضي الله عنه - كان خيرًا مني.
وكان
مصعبٌ رجلًا شابًا، كان عند والديه بمكة وكان والداه أغنياء، وأمه وأبوه يلبسانه
من خير اللباس: لباس الشباب والفتيان، وقد دلّلاه دلالًا عظيمًا، فلما أسلم هجراه
وأبعداه، وهاجر مع النبي ﷺ، فكان مع
المهاجرين، وكان عليه ثوب مرقع بعدما كان في مكة عند أبويه يلبس أحسن الثياب، لكنه
ترك ذلك كله مهاجرًا إلى الله ورسوله.
وأعطاه
النبي ﷺ الراية يوم أحد، فاستشهد - رضي الله
عنه - وكان معه بردة - أي ثوب - إذا غطوا به رأسه بدت رجلاه - وذلك لقصر الثوب -
وإن غطوا رجليه بدا رأسه، فأمر النبي ﷺ أن
يستر به رأسه وأن تستر رجلاه بالإذخر؛ نبات معروف.
فكان
عبد الرحمن بن عوف يذكر حال هذا الرجل، ثم يقول: إنهم قد مضوا وسلموا مما فتح الله
به من الدنيا على من بعدهم من المغانم الكثيرة، كما قال تعالى: {وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا} [الفتح:
١٩].
ثم
قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: " قد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا
"؛ لأن الكافر يجزى على حسناته في الدنيا، وله في الآخرة عذاب النار، والمؤمن
قد يجزى في الدنيا وفي الآخرة، لكن جزاء الآخرة هو الأهم.
فخشي
- رضي الله عنه - أن تكون حسناتهم قد عجلت لهم في هذه الدنيا، فبكى خوفًا وفرقًا،
ثم ترك الطعام رضي الله عنه.
ففي هذا دليلٌ على البكاء من خشية الله ومخافة
عقابه، والله الموفق.
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث / أتيت رسول الله صل الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء
Reviewed by احمد خليل
on
12:56:00 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: