شرح حديث / يتبع الميت ثلاثة أهله وماله وعمله
باب
فضل الزهد في الدنيا
شرح
العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
شرح
حديث / يتبع الميت ثلاثة أهله وماله وعمله
أحاديث رياض الصالحين: باب فضل الزهد في
الدنيا
٤٦٤ - وعن أَنسٍ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ: «اللَّهُمَّ
لا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَةِ» متفقٌ عَلَيْهِ.
٤٦٥ - وعن أَنسٍ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- عن رَسُولِ
اللَّه ﷺ قَالَ: «يَتْبَعُ
المَيِّتَ ثَلاثَةٌ: أَهْلُهُ، وَمالُهُ، وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ،
وَيَبْقَى وَأحدٌ؛ يَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ» متفقٌ
عَلَيهِ.
٤٦٦ - وعن أَنسٍ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ
رسولُ اللَّه ﷺ: «يُؤْتَى
بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِن أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
فَيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أبْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ
خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعيمٌ قَطُّ؟ فيقول: لا واللَّه يا رَبِّ،
وَيُؤْتَى بأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا في الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ
صَبْغَةً في الجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا أبْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا
قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فيقولُ: لا وَاللَّه، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ
قَطُّ، وَلا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ» رواه مسلم.
٤٦٧ - وعن المُسْتَوْردِ بنِ شدَّادٍ -رَضِّيَّ اللهُ
عَنْهُ- قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: «مَا الدُّنْيَا في الآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ
أَحدُكُمْ أُصْبُعَهُ في الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ؟» رواه
مسلم.
الشيخ:
بسم
الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّ الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله
وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما
بعد:
فهذه
الأحاديث الأربعة تدل على حقارة الدنيا، وأنها لا قيمة لها بالنسبة إلى الآخرة،
وأن المعول على عمل العبد وتقواه لربه، لا على ماله وجاهه، فينبغي له أن تكون
عنايته بالعمل الصالح والتقوى لله، والا يغترَّ بماله وأولاده ونسبه ونحو ذلك:
نِعْم المال الصالح للرجل الصالح إذا استعان به على طاعة الله، واتَّقى فيه ربَّه
نفعه.
يقول
الرسول ﷺ: «اللهم
لا عيشَ إلا عيشُ الآخرة»؛ لأنَّ عيش الدنيا زائلٌ، وعيش الآخرة هو
الدَّائم، فهو العيش الحقيقي: اللهم لا عيشَ إلا عيشُ الآخرة، فاغفر للأنصار
والمُهاجرة، والمقصود من هذا أنَّ عيش الدنيا وإن عَظُمَ فهو زائل، وإن مُتِّعَ به
مئة عام أو ألف عام فهو زائل، لكن عيش الآخرة باقٍ، دائمٌ، فهو العيش الحقيقي، وهو
النَّعيم الحقيقي.
ويقول
ﷺ: «يتبع الميتَ
ثلاثةٌ: أهلُه، ومالُه، وعملُه، فيرجع اثنانِ، ويبقى واحدٌ؛ يرجع أهلُه ومالُه،
ويبقى عملُه»، عمله الصالح هو الذي يبقى وينفعه، أمَّا أهله فإنَّهم لو
شيَّعوه رجعوا، وماله إذا كان معه مما يُحتاج إليه عند الدفن -كأرقائه أو مثل آلات
الحفر للقبر أو ما أشبه ذلك- ترجع، لكن يبقى معه عمله.
فالجديرٌ
بالمؤمن أن يُعْنَى بالعمل الذي يبقى، أمَّا الذي يزول فلا قيمةَ له، والمال إذا
صرفه في الخير فهو من العمل، المال والجاه ونحو ذلك إذا صرفه في طاعة الله نفعه،
وصار من العمل، فينبغي للمؤمن أن يُعْنَى بالعمل، وأن يحرص على العمل، فإنَّ هذا
هو الذي ينفعه في الآخرة، أمَّا جاهه وماله إذا لم يتقرب به إلى الله ولم يصرفه في
وجوه الخير؛ فإنه لا ينفعه، ولكن ينفعه ماله.
وهكذا
يقول ﷺ: إذا غُمِسَ العبدُ الكافرُ في النار
غَمْسَةً وهو مُنَعَّمٌ في الدنيا يُسْأَل: هل مرَّ بك نعيمٌ؟ فيقول: لا، ينسى
نعيمَ الدنيا كله إذا دخل النارَ -نسأل الله العافية- ينسى كلَّ شيءٍ.
أمَّا
المؤمن فإذا أُدْخِلَ الجنة وقيل له: هل مرَّ بك بُؤْسٌ؟ هل مَرَّ بك شِدَّةٌ؟
يقول: لا يا ربِّ، نسي بؤسَ الدنيا وشرَّها بسبب عظم النَّعيم في الآخرة.
وكذا
يقول ﷺ: ما الدنيا في الآخرة إلا كما يُدْخِل
أحدُكم أُصْبُعَه في اليَمِّ، يعني: في البحر، يعني: ما لها قيمة، وأي قيمةٍ إذا
أدخل أصبعَه في البحر؟ فالدنيا في الآخرة كلا شيء، وإن مُتِّعَ فيها ألف عام، لكن
نعيم الآخرة يبقى، ولا حدَّ له، فهو نعيمٌ دائمٌ أبد الآباد، لا يفنى، ولا يبيد،
وحياة دائمة لا يعتريها الموت، هذا هو النعيم، أمَّا نعيم الدنيا فلا قيمةَ له؛
لأنَّه زائلٌ كما يُدْخِل أصبعَه في اليم ثم يُخرجها: ماذا يعلق بها؟ لا يعلق بها
شيء يُذْكَر. وفَّق الله الجميع.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: