شرح حديث/ من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله
أحاديث
رياض الصالحين: باب التحذير من إيذاء الصالحين والضعفة والمساكين.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}
[الأحزاب: ٥٨]، وَقالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا
الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:
٩-١٠].
وأما الأحاديث فكثيرة، مِنْهَا:
حديث
أَبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في الباب قبل هَذَا: «مَنْ عَادَى لِي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب» [١].
ومنها: حديث سعد بن أَبي وَقَاصّ
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في باب "ملاطفة اليتيم"، وقوله ﷺ: «يَا أَبَا بَكْرٍ! لَئِنْ كُنْتَ أغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ
أغْضَبْتَ رَبَّكَ» [٢].
٣٩٤ - وعن جُنْدَبِ بنِ عبد اللَّه
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: «مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ في ذِمَّةِ اللَّه،
فَلا يَطْلُبْنَكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ
يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبُّهُ عَلى وَجْهِهِ في
نَارِ جَهَنَّمَ» [٣] رواه مسلم.
الشرح:
قال
المؤلف -رحمه الله تعالى- باب التحذير من إيذاء
الصالحين والضعفة والمساكين ونحوهم، ثم ساق المؤلف قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}
[الأحزاب: ٥٨] والأذية: هي أن تحاول أن تؤذي الشخص بما يتألم
منه قَلْبِيًّا، أو بما يتألم منه بَدَنِيًّا؛ سواء كان ذلك
بالسب، أو بالشتم، أو باختلاق الأشياء عليه، أو بمحاولة حسده، أو غير ذلك من
الأشياء التي يتأذى بها المسلم.
وهذا
كله حرام؛ لأن الله سبحانه وتعالى بين أن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما
اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثما مبينًا.
وفهم
من الآية الكريمة أنه إذا آذى المؤمنين بما اكتسبوا فإنه ليس عليه شيء مثل إقامة
الحد على المجرم، وتغريم الظالم، وما أشبه ذلك، فهذا وإن كان فيه أذية، لكنها
بكسبه، فقد قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا
تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر} [النور: ٢[.
ولا
حرج من أن يؤذي الإنسان شخصًا بسبب كسبه هو وجنايته على نفسه، فإن ذلك لا يؤثر
عليه شيئًا.
ثم
أشار المؤلف إلى أحاديث تدل على التحذير من أذية المؤمنين، ومنها ما سبق من حديث
أبي هريرة رضي الله عنه، أن الله قال: «من عادي
لي وَلِيًّا فقد آذنته بالحرب» فالذي يعادي أحدا من أولياء الله؛
فإن الله تعالى يعلن عليه الحرب، ومن كان حربًا لله تعالى؛ فهو خاسر.
قال أهل العلم: وأنواع الأذى كثيرة، منها
أن يؤذي جاره، ومنها أن يؤذي صاحبه، ومنها أن يؤذي من كان معه في عمل من الأعمال
وإن لم يكن بينهم صداقة بالمضايقة وما أشبه ذلك، وكل هذا حرام والواجب على المسلم
الحذر منه.
ثم
ذكر حديث: «مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ في
ذِمَّةِ اللَّه» أي: في عهد الله وأمانه، ومن كان في ذمة الله أي: عهده
وأمانه فإنه على خير؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا أحد أوفى بعهده من الله كما قال
تعالى: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ}
[التوبة: ١١١].
وقوله: «فلا
يطلبنكم الله من ذمته بشيء» المعنى: الحث على صلاة الجماعة في صلاة الصبح؛
لأنك إذا لم تصلي لم تكن في عهد الله ولا في أمانه فيطلبك الله سبحانه وتعالى بذلك،
وصلاة الجماعة في الفجر من أفضل الأعمال قال النبي عليه الصلاة والسلام: «أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو
يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً»، وقال ﷺ: «من صلى البردين» يعني: الفجر والعصر «دخل الجنة»، وقال ﷺ: «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، فإن استطعتم
ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا».
والمهم أن هذا الحديث يدل على فضيلة صلاة
الفجر ولاسيما مع الجماعة وأن من صلاها جماعة فإنه في ذمة الله عز وجل. وفق الله
الجميع.
[١] رواه
البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم: (٦٥٠٢).
[٢]
رواه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل سلمان وصهيب وبلال، رقم: (٣٥٠٤).
[٣]
رواه مسلم، كتاب المساجد، باب فضل العشاء والصبح في جماعة، رقم: (٦٥٧).
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: