باب
زيارة أهل الخير ومُجالستهم وصُحبتهم ومحبّتهم وطلب زيارتهم والدّعاء منهم وزيارة
المواضع الفاضلة
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح حديث/ من عاد مريضا أو زار أخا في الله
أحاديث رياض الصالحين: باب زيارة أهل
الخير ومُجالستهم وصُحبتهم ومحبّتهم وطلب زيارتهم والدّعاء منهم وزيارة المواضع
الفاضلة.
٣٦٤- وعن أَنسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ أَبُو بكر
لِعمرَ رضي اللَّهُ عنهما، بَعْدَ وَفَاةِ رسولِ اللَّه ﷺ:
انْطَلِقْ بِنَا إِلى أُمِّ أَيْمَنَ رضي اللَّه عنها، نَزُورُهَا كَما كانَ رسولُ
اللَّه ﷺ يزُورُهَا، فلَمَّا انْتَهَيا
إِلَيْهَا بَكَتْ، فَقَالا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟! أَما تَعْلَمِينَ أَنَّ مَا
عِنْدَ اللَّهِ خيرٌ لرسولِ اللَّه ﷺ؟ فقالت:
إِنِّي لا أَبْكِي أَنِّي لا أَعْلمُ أَنَّ مَا عِندَ اللَّهِ تعالَى خَيرٌ
لرسُولِ اللَّه ﷺ، ولَكنْ أَبْكي أَنَّ
الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ، فَهَيَّجَتْهُما عَلَى البُكَاءِ،
فَجعلا يَبْكِيانِ معهَا. [١] رواه مسلم.
٣٦٥- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه، عن
النَّبيِّ ﷺ: «أَنَّ
رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ في قَريَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَد اللَّهُ تَعَالَى عَلَى
مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْن تُريدُ؟ قَالَ:
أُرِيدُ أَخًا لي في هذِهِ الْقَرْيةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ علَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ
تَرُبُّهَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: لا، غَيْر أَنِّي أَحْبَبْتُهُ في اللَّهِ تَعَالَى،
قَالَ: فَإِنِّي رَسُول اللَّهِ إِلَيْكَ بأَنَّ اللَّه قَدْ أَحبَّكَ كَما
أَحْبَبْتَهُ فِيهِ»
[٢] رواه مسلم.
يقال: (أَرْصَده) لكذا: إذا وكله بحفظه،
و (المَدْرَجَهِ) بفتح الميم والراء: الطريق، ومعنى (تَرُبُّهَا) تقوم بها، وتسعى
في صلاحها.
٣٦٦- وعنه رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ
اللَّه ﷺ: «مَنْ
عَادَ مَريضًا أَوْ زَار أَخًا لَهُ في اللَّه، نَادَاهُ مُنَادٍ: بِأَنْ طِبْتَ
وطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجنَّةِ مَنْزِلًا» [٣] رواه الترمذي
وَقالَ: حديثٌ حسنٌ. وفي بعض النُّسخ: غريبٌ.
٣٦٧- وعن أَبي موسى الأَشعَرِيِّ رضي
الله عنه: أَن النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ:
كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ
يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً،
ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا
مُنْتِنَةً»
[٤] متفقٌ
عَلَيهِ.
«يُحْذِيَكَ» يعطيك.
الـشـرح:
هذه الأحاديث في بيان فضل زيارة الإخوان
بعضهم لبعض والمحبة في الله عزَّ وجلَّ.
ففي الحديث الأول في قصة الرجلين من الصحابة رضي الله عنهما، زارا امرأة كان
النبي ﷺ يزورها. فزاراها من أجل
زيارة النبي ﷺ إياها. فلما جلسا
عندها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى، خير لرسوله؟ يعني: خير من الدنيا.
فقالت: إني لا أبكي لذلك ولكن لا نقطاع
الوحي؛ لأن النبي ﷺ لما مات انقطع
الوحي، فلا وحي بعد رسول الله ﷺ، ولهذا
أكمل الله شريعته قبل أن يتوفى، فقال تَعَالَى: {الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْإسْلامَ دِينًا} [المائدة: ٣]، فجعلا يبكيان؛ لأنها ذكرتهما بما كانا قد
نسياه.
وأما الأحاديث الأخرى ففيها أيضًا فضل
الزيارة لله عزَّ وجلَّ، وأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يثيب من زار أخاه أو
عاده في مرضه، فيقال له: "طبت وطاب ممشاك". ويقال لمن زار أخاه لغير أمر
دنيوي ولكن لمحبته في الله: "إن الله أحبك كما أحببته فيه".
والزيارة لها فوائد فمع هذا الأجر
العظيم، فهي تؤلف القلوب، وتجمع الناس، وتذكر الناسي، وتنبه الغافل، وتعلم الجاهل،
وفيها مصالح كثيرة يعرفها من جربها.
وأما عيادة المريض ففيها كذلك أيضًا من
المصالح والمنافع الشيء الكثير، وقد سبق لنا أنها من حقوق المسلم على المسلم: أن
يعوده إذا مرض، ويذكره بالله عزَّ وجلَّ، بالتوبة والوصية وغير ذلك مما يستفيد
منه.
فهذه الأحاديث وأشباهها تدل على أنه
ينبغي للإنسان أن يفعل ما فيه المودة والمحبة لإخوانه، من زيارة وعيادة واجتماع
وغير ذلك. وفق الله الجميع.
[١] رواه مسلم: (٢٥٥٤).
[٢] رواه مسلم: (٢٥٦٧).
[٣] إسناده ضعيف: الترمذي (٢٠٠٨)، في
سنده أبو سنان القسماني: عيسى بن سنان لين الحديث فيه ضعيف.
[٤] أخرجه البخاري: (٥٥٣٤)، ومسلم:
(٢٦٢٨).
الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا
بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال