Top Ad unit 728 × 90

أخبار المدونة

احاديث نبوية شريفة

شرح حديث / ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان

باب فضل الحب في الله والحث عليه
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح - حديث - ثلاث - من - كن - فيه - وجد - بهن - حلاوة - الإيمان
شرح حديث / ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان
أحاديث رياض الصالحين
باب فضل الحب في الله والحث عليه الحديث رقم 380 - 381

قال اللَّه تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: ٢٩] إلى آخر السورة.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} [الحشر: ٩].
٣٨٠ - عن أَنسٍ - رضي اللَّه عنه - عن النبي قال: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيَمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلاَّ للَّهِ، وَأَنْ يَكْرَه أَنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ» متفقٌ عليه [1].
٣٨١ - عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - عن النبي قال: «سبْعَةٌ يُظِلُّهُم اللَّه في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وَشَابٌ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجلَّ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مَعلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ، ورَجُلان تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امرأة ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فقال: إِنِّي أَخافُ اللَّه، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ، فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» متفقٌ عليه [2].

الـشـرح
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - باب فضل الحب في الله والبغض فيه، وإعلام الرجل من يحبه أنه يحبه، وما يقول له إذا ذكر ذلك. هذه أربعة أمور، بين المؤلف - رحمه الله - الأدلة الدالة عليها.
فقال رحمه الله قول الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} محمد رسول الله، والذين معه هم أصحابه، أشداء على الكفار، أقوياء على الكفار، رحماء بينهم، يعني يرحم بعضهم بعضا.
{تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}، يعني تنظر إليهم في حال الصلاة تجدهم ركعًا سجدًا، خضوعًا لله - عز وجل - وتقربًا إليه، لا يريدون شيئًا من الدنيا، ولكنهم يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا. فضلًا من الله: هو الثواب، والرضوان: هو رضي الله عنهم.
{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} يعني علامتهم في وجوههم من أثر السجود، وهذه (السيما) هي نور الوجه.
نور وجوههم من سجودهم لله عز وجل. وليست العلامة التي تكون في الجبهة، هذه العلامة ربما تكون دليلًا على كثرة السجود، ولكن العلامة الحقيقية هي نور الوجه.
{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} يعني ذلك: صفتهم في التوراة، فإن الله - سبحانه وتعالى - نوه بهذه الأمة وبرسولها
، وذكر صفاتهم في التوراة والإنجيل، كما قال الله تعالى: {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157].
{وَمَثَلُهُمْ فِي الْإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْئهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّار} يعني: مثلهم كمثل الزرع {أَخْرَجَ شَطْئهُ} يعني: الغصن الثاني غير الغصن الأم {فَآزَرَهُ} يعني: شدده وقواه، {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} قام وعانق الأصل {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} يعني: أهل الخبرة والزرع يعجبهم مثل هذا الزرع القوي، إذا كان له شطًا مؤازر له، مقوله.
{لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} أي: ليغيظ الله بهم الكفار من بني آدم {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}، مغفرة للذنوب، وأجرًا عظيمًا على الحسنات.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} [الحشر: 9]، هؤلاء الأنصار - رضي الله عنهم وأرضاهم -، {تَبَوَّأُوا الدَّارَ} المدينة، أي: سكنوها {مِنْ قَبْلِهِمْ} من قبل المهاجرين، وحققوا الإيمان من قبل أن يهاجر إليهم المؤمنون؛ لأن الإيمان دخل في المدينة قبل الهجرة، {تَبَوَّأُوا الدَّارَ} سكنوها، {وَالْإيمَانَ}حققوا الإيمان {مِنْ قَبْلِهِمْ} من قبل المهاجرين.
{يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} لأنهم: إخوانهم ولهذا لما هاجروا آخى النبي بينهم. أي: جعلهم إخوانًا، حتى إن الواحد من الأنصار كان يتنازل عن نصف ماله لأخيه المهاجري، {وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} يعني: لا يجدون في صدورهم حسدًا مما أوتي المهاجرون من الفضل والولاية والنصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} أي: يقدمون غيرهم على أنفسهم {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أي: ولو كانوا جياعًا، فإنهم كانوا يجيعون أنفسهم ليشبع إخوانهم المهاجرون - رضي الله عنهم وأرضاهم – {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} يعني: من يقيه الله شح نفسه، ويكون كريمًا، يبسط المال ويبذل، ويحب أخاه، فأولئك هم المفلحون.
{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} من بعد هؤلاء وهم: التابعون إلى يوم القيامة {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإيمَانِ} [الحشر: 10]، هؤلاء الذين جاءوا من بعدهم هم تبع لهم، قد - رضي الله عنهم - كما قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}.
وهذه الآيات الثلاثة: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ}آيات تبين من يستحق الفيء من بيت المال، والذين يستحقون الفيء هم هؤلاء الأصناف الثلاثة، منهم: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإيمَانِ}.
سئل الإمام مالك رحمه الله: هل يعطى الرافضة من الفيء قال: لا يعطون من الفيء؛ لأن الرافضة لا يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان؛ لأن الرافضة يرون الصحابة - إلا نفرا قليلًا - كلهم كفارًا - والعياذ بالله - حتى أبا بكر وعمر، يرون أنهما كافران، وأنهما ماتا على النفاق، وأنهما ارتدا بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام. نسأل الله العافية.
ولهذا قال الإمام مالك: لا يستحقون من الفيء شيئا؛ لأنهم لا يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولكن يخصون الرحمة والمغفرة أو سؤال المغفرة والرحمة لمن يرون أنهم لم يرتدوا، وهم نفر قليل من آل البيت واثنان أو ثلاثة أو عشرة من غيرهم.
فالشاهد من هذه الآية قوله: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} يعني: من المؤمنين، وهذا حب في الله، وإلا فإن الأنصار من الأوس والخزرج، ليس بينهم وبين المهاجرين نسب.
ليسوا من قريش، لكن الأخوة الإيمانية هي أوثق عرى الإيمان، أوثق عرى الإيمان هي الحب في الله والبغض في الله.

ثم ذكر المؤلف حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي
قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان» من كن فيه، يعني: من اتصف بهن، وجد بهن يعني: بسببهن، حلاوة الإيمان ليست حلاوة سكر، ولا عسل، وإنما هي حلاوة أعظم من كل حلاوة. حلاوة يجدها الإنسان في قلبه، ولذة عظيمة لا يساويها شي، يجد انشراحًا في صدره، رغبة في الخير، حبًا لأهل الخير.
حلاوة لا يعرفها إلا من ذاقها بعد أن حرمها. «أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» وهنا قال: إن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ولم يقل: ثم رسوله؛ لأن المحبة هنا لرسول الله عليه الصلاة والسلام هنا تابعة، ونابعة من محبة الله سبحانه وتعالى.
فالإنسان يحب الرسول بقدر ما يحب الله، كلما كان لله أحب؛ كان للرسول صلى الله عليه وسلم أحب.
لكن مع الأسف أن بعض الناس يحب الرسول مع الله ولا يحب الرسول لله.
انتبهوا لهذا الفرق. يحب الرسول مع الله ولا يحب الرسول لله. كيف؟ تجده يحب الرسول أكثر من محبته لله، وهذا نوع من الشرك. أنت تحب الرسول لله؛ لأنه رسول الله، والمحبة في الأصل والأم محبة الله عز وجل، لكن هؤلاء الذين غلوا في الرسول
، يحبون الرسول مع الله لا يحبونه لله، أي يجعلونه شريكًا لله في المحبة؛ بل أعظم من محبة الله. تجده إذا ذكر الرسول اقشعر جلده من المحبة والتعظيم، لكن إذا ذكر الله فإذا هو بارد لا يتأثر.
هل هذه محبة نافعة للإنسان؟ لا تنفعه، هذه محبة شركية، عليك أن تحب الله ورسوله، وأن تكون محبتك للرسول نابعة من محبة الله وتابعة لمحبة الله، «أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله» هذا الشاهد. تحب المرء لا تحبه إلا لله. لا تحبه لقرابة، ولا لمال، ولا لجاه، ولا لشيء من الدنيا، إنما تحبه لله.
أما محبة القرابة فهي محبة طبيعية. كل يحب قريبه محبة طبيعية، حتى البهائم تحب أولادها، تجد الأم من البهائم، والحشرات تحب أولادها حتى يكبروا، ويستقلوا بأنفسهم، ثم تبدأ بطردهم.
وإذا كان عندك هرة انظر إليها كيف تحنو على أولادها، وتحملهم في أيام البرد، تدخلهم في الدفء، وتمسكهم بأسنانها، لكن لا تؤثر فيهم شيئًا؛ لأنها تمسكهم إمساك رحمة، حتى إذا فطموا واستقلوا بأنفسهم، بدأت تطردهم؛ لأن الله يلقي في قلبها الرحمة ما داموا محتاجين إليها، ثم بعد ذلك يكونون مثل غيرهم.
فالشاهد أن محبة القرابة محبة طبيعية، لكن إذا كان قريبك من عباد الله الصالحين، فأحببته فوق المحبة الطبيعية فأنت أحببته لله.
«أن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه؛ كما يكره أن يقذف في النار» يعني: يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه.
وهذه ظاهرة فيمن كان كافرًا ثم أسلم، لكن من ولد في الإسلام فيكره أن يكون في الكفر بعد أن من الله عليه بالإسلام كما يكره أن يقذف في النار، يعني أنه لو قذف في النار لكان أهون عليه من أن يعود كافرًا بعد إسلامه، وهذا والحمد لله حال كثير من المؤمنين. كثير من المؤمنين لو قيل له: تكفر أو نلقيك من أعلى شاهق في البلد أو نحرقك لقال: احرقوني. ألقوني من أعلى شاهق ولا أرتد من بعد إسلامي.
وهذا مراد الردة الحقيقية التي تكون في القلب، أما من أكره على الكفر فكفر ظاهرًا لا باطنًا، بل قلبه مطمئن بالإيمان، فهذا لا يضره لقوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} [النحل: 106-107]، لما قيل لهم: نقتلكم أو اكفروا، فباعوا الآخرة بالدنيا، وكفروا ليبقوا، فاستحبوا الدنيا على الآخرة، وأن الله لا يهدي القوم الكافرين. نسأل الله لنا ولكم الهداية.
وأن يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار.

ثم ذكر المؤلف - رحمه الله تعالى - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعنه امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه» فهؤلاء سبعة وليس المراد بالسبعة العدد، يعني أنهم سبعة أنفار فقط، ولكنهم سبعة أصناف؛ لأنهم قد يكونون عددًا لا يحصيهم إلا الله عز وجل.
ونحن لا نتكلم على ما ساق المؤلف الحديث من أجله؛ لأن هذا سبق لنا وقد شرحناه فيما مضى، ولكن نتكلم على مسألة ضل فيها كثير من الجهال، وهي قوله: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» حيث توهموا جهلًا منهم أن هذا هو ظل الله نفسه، وأن الله تعالى يظلهم من الشمس بذاته عز وجل، وهذا فهم خاطئ منكر، يقوله بعض المتعالمين الذين يقولون: إن مذهب أهل السنة إجراء النصوص على ظاهرها فيقال: أين الظاهر؟ وأين يكون ظاهر الحديث وأن الرب - جل وعلا - يظلهم من الشمس؟ فإن هذا يقتضي أن تكون الشمس فوق الله - عز وجل - وهذا شيء منكر لا أحد يقول به من أهل السنة، لكن مشكلات الناس ولاسيما في هذا العصر؛ أن الإنسان إذا فهم؛ لم يعرف التطبيق، وإذا فهم مسألة؛ ظن أنه أحاط بكل شيء علمًا.
والواجب على الإنسان أن يعرف قدر نفسه، وألا يتكلم - لا سيما في باب الصفات - إلا بما يعلم من كتاب الله ثم سنة رسوله
وكلام الأئمة.
فمعنى: «يوم لا ظل إلا ظله» أو «يظلهم الله في ظله» يعني الظل الذي لا يقدر أحد عليه في ذلك الوقت؛ لأنه في ذلك الوقت لا بناء يبنى، ولا شجر يغرس، ولا رمال تقام، ولا أحجار تصفف، ولا شيء من هذا. قال الله عز وجل: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طـه: 105-107].
ولا يظل الخلائق من الشمس شيء، لا بناء ولا شجر، ولا حجر، ولا غير ذلك. لكن الله - عز وجل - يخلق شيئًا يظلل به من شاء من عباده، يوم لا ظل إلا ظله، هذا هو معنى الحديث، ولا يجوز أن يكون له معنى سوى هذا.
والشاهد من هذا الحديث لهذا الباب قوله: «رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه» يعني: أنهما جرت بينهما محبة، لكنها محبة في الله، لا في مال، ولا جاه، ولا نسب، ولا أي شيء، إنما هو محبة الله عز وجل، رآه قائمًا بطاعة الله، متجنبًا لمحارم الله، فأحبه من أجل ذلك، فهذا هو الذي يدخل في هذا الحديث: «تحابا في الله» وقوله: «اجتمعا عليه وتفرقا عليه» يعني: اجتمعا عليه في الدنيا، وبقيت المحبة بينهما حتى فرق بينهما الموت تفرقا وهما على ذلك.
وفي هذا إشارة إلى أن المتحابين في الله لا يقطع محبتهم في الله شيء من أمور الدنيا، وإنما هم متحابون في الله لا يفرقهم إلا الموت، حتى لو أن بعضهم أخطأ على بعض، أو قصر في حق بعض، فإن هذا لا يهمهم؛ لأنه إنما أحبه لله عز وجل، ولكنه يصحح خطأه ويبين تقصيره؛ لأنه هذا من تمام النصيحة، فنسأل الله أن يجعلنا والمسلمين من المتحابين فيه، المتعاونين على البر والتقوى إنه جواد كريم.



الحمد لله رب العالمين
[1] رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان، رقم (16)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب خصال من اتصف بهن حلاوة الإيمان، رقم (43).

[2] رواه البخاري، كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، رقم (660)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، رقم (1031).
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث / ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان Reviewed by احمد خليل on 9:37:00 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.