شرح الحديث القدسي الشريف (أين المتحابون بجلالي) من رياض الصالحين
باب
فضل الحب في الله والحث عليه
لفضيلة
الدكتور خالد بن عثمان السبت
شرح
الحديث القدسي الشريف (أين المتحابون بجلالي)
أحاديث رياض الصالحين: باب فضل الحب
في الله والحث عليه
٣٨٢
- وعن أبى هريرة -رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: «إنّ اللَّه تَعَالَى
يقولُ يَوْمَ الْقِيَامةِ: أَيْنَ المُتَحَابُّونَ بِجَلالِي؟ الْيَوْمَ
أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَومَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي» رواه مسلم.
الشرح:
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي
باب فضل الحب في الله والحث عليه أورد المصنف -رحمه الله- حديث أبي هريرة -رضي
الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟»،
أي: في جلالي، «اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي»
[١] رواه مسلم.
قول
النبي ﷺ: «إن الله تعالى يقول» هذا ما يعرف عند أهل العلم
بالحديث القدسي، ومعنى الحديث القدسي: أي الحديث المنسوب إلى الله -تبارك وتعالى-،
أي: أنه من قوله، والنبي ﷺ
يقول فيه: «قال الله تعالى»، والراوي يقول:
قال النبي ﷺ
فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى-، فالحديث القدسي كلام الله -جل جلاله-، وليس
بقرآن، فكلام الله -عز وجل- كما هو معلوم لا ينحصر بالقرآن، فمنه ما هو قرآن، ومنه
ما ليس كذلك، ككلام الله للملائكة، والله -عز وجل- يتكلم متى شاء، كيف شاء كلامًا
يليق بجلاله وعظمته، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة.
والفرق
بين الحديث القدسي والقرآن: أن الحديث القدسي لسنا متعبدين بتلاوته، والقرآن
تعبدنا الله بتلاوته، بمعنى: القرآن إذا قرأتَ حرفًا فهو بعشر، كما قال النبي ﷺ: «لا أقول: الم حرف، بل أقول: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»
[٢]، يعني: الحسنة بعشر أمثالها، والحديث القدسي ليس محفوظًا، يعني: لم يتعهد الله
بحفظ الفاظه، أما القرآن فقد تكفل الله بحفظه، لا يستطيع أحد أن يحرفه، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩].
الأحاديث
القدسية يوجد منها أحاديث ضعيفة ميزها العلماء -رحمهم الله-، وأيضًا الحديث القدسي
يجوز أن نرويه بالمعنى، نروي معنى الحديث، لكن القرآن يجب أن نأتي به بألفاظه
وحروفه، ما نغير حرفًا واحدًا، هذه الفروقات الأساسية بين الحديث القدسي والقرآن.
الشاهد
هنا أن الله يقول يوم القيامة: «أين المتحابون
بجلالي؟»، أي: في جلالي، يعني: المتحابون في الله -عز وجل-، والله -تبارك
وتعالى- أعلم بالمتحابين بجلاله، لكن هذا الاستفهام وهذا السؤال تنويهًا بذكرهم
وتشريفًا لهم، ورفعًا لمقامهم ودرجاتهم في ذلك اليوم العظيم الذي تشهده الخلائق.
«أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا
ظلي»، يوم تدنو الشمس على قدر ميل من رءوس الخلائق، فهم أحوج ما يكونون إلى
الأمن، وهم أحوج ما يكونون إلى الظل، فهؤلاء الذين صارت محبتهم في الدنيا لله، وفي
الله صار لهم ذلك الجزاء العظيم في الدار الآخرة وهم أحوج ما يكونون إلى هذه
الالطاف، والإنسان ليس عليه ضير من أن يغير قصده ونيته بأن تكون علائقه لله وفي
الله، أن يحب الناس لله، «أن يحب المرء لا يحبه إلا
لله» [٣]، لا يحبه من أجل دنيا، من أجل عرض زائل، من أجل مصلحة عارضة فتكون
علائق الناس مادية، يحبون من أجل مصالحهم، فإذا زالت تلك المصالح وانعدمت ارتفعت
تلك العلائق وزالت، فهذا أمر لا يليق بحال من الأحوال.
فنسأل
الله -عز وجل- أن يعيننا على أنفسنا، وأن يبصرنا بما يرضيه وما يقربنا إليه، وأن
يغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين، اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ
مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، وصل الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
الحمد لله رب العالمين
[١] - أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب في فضل الحب في
الله، (٤/١٩٨٨)، رقم: (٢٥٦٦).
[٢]
- أخرجه الترمذي، باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ماله من الأجر، (٥/ ١٧٥)،
رقم: (٣٧٨٣)، وصححه الالباني في المشكاة، رقم: (٢١٣٧).
[٣]
- أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان، (١/ ١٢)، رقم: (١٦)، ومسلم،
كتاب الإيمان، باب بيان خصالٍ من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، (١/ ٦٦)، رقم: (٤٣).
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: