شرح حديث / نعم صلي أمك
باب بر الوالدين وصلة الأرحام
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح
حديث / نعم صلي أمك
أحاديث
رياض الصالحين: باب بر الوالدين وصلة الأرحام
٣٣٠ - وعن أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ الصديق - رضِي اللهُ عنهما - قالت:
قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ ﷺ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ ﷺ، قُلتُ: قَدِمَتْ
عَلَيَّ أُمِّي وهِيَ راغبةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ» متفق عليه [١].
وقولها:
«راغبةٌ» أي: طامعة عندي تسألني شيئاً، قيل: كانت أمها من النسب، وقيل: من الرضاعة،
والصحيح الأول.
٣٣١ - وعن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه
وعنها - قالت : قال رَسولِ اللَّهِ ﷺ: «تَصَدَّقْنَ، يا مَعْشَرَ النِّساءِ، ولو مِن حُلِيِّكُنَّ»
قالَتْ: فَرَجَعْتُ إلى عبدِ اللهِ ابن مسعود فَقُلتُ له: إنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ
ذاتِ اليَدِ، وإنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قدْ
أَمَرَنا بالصَّدَقَةِ، فَأْتِهِ فاسْأَلْهُ، فإنْ كانَ ذلكَ يَجْزِي عَنِّي
وإلَّا صَرَفْتُها إلى غيرِكُمْ، فقالَ عبدُ اللهِ: بَلِ ائْتِيهِ أَنْتِ، فانْطَلَقْتُ،
فإذا امْرَأَةٌ مِنَ الأنْصارِ بِبابِ رَسولِ اللهِ حاجَتي حاجَتُها، وكانَ
رَسولُ اللهِ ﷺ، قدْ أُلْقِيَتْ عليه
المَهابَةُ، قالَتْ: فَخَرَجَ عليْنا بِلالٌ فَقُلْنا له: ائْتِ رَسولَ اللهِ ﷺ، فأخْبِرْهُ أنَّ امْرَأَتَينِ بالبابِ
تَسْأَلانِكَ: أتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عنْهما، علَى أزْواجِهِما، وعلَى أيْتامٍ في
حُجُورِهِما؟ ولا تُخْبِرْهُ مَن نَحْنُ، فَدَخَلَ بِلالٌ علَى رَسولِ
اللهِ ﷺ، فَسَأَلَهُ، فقالَ له رَسولُ اللهِ ﷺ: «مَن هُما؟» قالَ:
امْرَأَةٌ مِنَ الأنْصارِ وزَيْنَبُ، فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «أيُّ
الزَّيانِبِ هي؟» قالَ: امْرَأَةُ عبدِ اللهِ، فقالَ له رَسولُ اللهِ ﷺ: «لهما أجْرانِ:
أجْرُ القَرابَةِ، وأَجْرُ الصَّدَقَةِ» متفق
عليه [٢].
الـشـرح
قال
المؤلف فيما نقله عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها وعن أبيها -: إن أمها قدمت
عليها المدينة وهي راغبة فاستفتت النبي ﷺ هل
تصلها أم لا؟ وقالت: يا رسول الله، إني أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ فأمرها أن تصلها.
وقولها:
وهي راغبة قال بعض العلماء معناه: وهي راغبة في الإسلام، فيكون الأمر بصلتها من
أجل تأليفها على الإسلام، وقيل: بل معنى قولها: وهي راغبة في أن أصلها، ومتطلعة
إلى ذلك، فأمرها النبي ﷺ
أن تصلها، وهذا هو الأقرب أنها جاءت تتشوق وتتطلع إلى أن تعطيها ابنتها ما شاء الله.
ففي
هذا دليل على: أن الإنسان يصل أقاربه ولو كانوا على غير الإسلام، لأن لهم حق القرابة،
ويدل لهذا قوله تعالى في سورة لقمان: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}
[لقمان: ١٥]،
يعني: إن أمرك والداك وألحا في الطلب على أن تشرك بالله فلا تطعهما، لأنه لا طاعة
لمخلوق في معصية الخالق، ولكن صاحبهما في الدنيا معروفاً، أي: أعطهم من الدنيا ما
يجب لهم من الصلة، ولو كانا كافرين أو فاسقين، لأن لهما حق القرابة.
وهذا
الحديث يدل على ما دلت عليه الآية: وهو أن النبي ﷺ
أمر أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها وعن أبيها - أن تصل أمها مع أنها كافرة.
ثم
إن صلة الأقارب بالصدقة يحصل بها أجران: أجر الصدقة، وأجر الصلة، ودليل ذلك حديث
زينب بنت مسعود الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي ﷺ: أمر النساء بالصدقة، فرجعت إلى بيتها وكان زوجها
عبد الله بن مسعود خفيف ذات اليد، يعني: أنه ليس عنده مال، فأخبرته، فطلب منها أن
تتصدق عليه، وعلى أيتام كانوا في حاجتها، ولكنه أشكل عليها الأمر فذهبت إلى رسول
الله ﷺ تستفتيه، فلما وصلت إلى بيته وجدت عنده
امرأة من الأنصار، حاجتها كحاجة زينب، تريد أن تسأل النبي ﷺ أن تتصدق على زوجها ومن في بيتها.
فخرج
بلال وكان النبي ﷺ قد أعطاه الله المهابة
العظيمة، وكل من رآه هابه، لكنه من خالطه معاشرةً أحبه وزالت عنه الهيبة، لكن أول
ما يراه الإنسان يهابه هيبة عظيمة، فإذا خالطه وعاشره أحبه وألفه ﷺ، فخرج بلال فسألهما عن حاجتهما فأخبرتاه أنهما
يسألان النبي ﷺ: هل تجوز الصدقة على أزواجهما
ومن في بيتهما؟ ولكنهما قالتا له: لا تخبر الرسول ﷺ
من هما، أحبتا أن تختفيا.
فدخل
بلال على النبي ﷺ
وأخبره وقال: إن بالباب امرأتين حاجتهما كذا وكذا، فقال: من هما؟ وحينئذٍ وقع بلال بين أمرين بين
أمانة ائتمنتاه عليها المرأتان، حيث قالتا: لا تخبره من نحن، ولكن الرسول قال: من
هما؟ قال: امرأة من الأنصار، وزينب.
فقال:
أي الزيانب؟ حيث اسم زينب كثير، فقال: امرأة عبد الله، وكان عبد الله بن
مسعود خادماً للرسول ﷺ يدخل بيته حتى بلا استئذان،
وقد عرف النبي ﷺ أهله وعرف حاله.
وهو
إنما أخبره مع قولهما له لا تخبره، لأن طاعة النبي ﷺ
واجبة مقدمة على طاعة كل أحد.
فقال:
إن صدقتهما على هؤلاء صدقة وصلة، يعني: فيها أجران: أجر الصدقة، وأجر الصلة، فدل
ذلك: على أنه يجوز للإنسان أن يتصدق على أولاده عند الحاجة، ويتصدق على زوجته،
وكذلك الزوجة تتصدق على زوجها، وأن الصدقة عليهم صدقة وصلة.
أما
الزكاة فإن كان مما يجب على الإنسان أن يدفعه فإنه لا يصح أن يدفع إليهم الزكاة،
مثل لو كانت الزكاة لدفع حاجتهما من نفقة، وهو ممن تجب عليه النفقة، وماله يتحمل،
فإنه لا يجوز له أن يعطيهما من الزكاة، أما إذا كان ممن لا يجب عليه، كما لو قضى
ديناً عن أبيه أو عن ابنه أو زوجته، أو قضت ديناً على زوجها فإن ذلك لا بأس به إذا
كان المدين حياً، أما إذا كان المدين ميتاً فلا يقضي عنه إلا تبرعاً، أو من التركة،
ولا يقضي عنه من الزكاة.
الحمد لله رب العالمين
[١]
رواه البخاري، كتاب الهبة، باب الهبة للمشركين، رقم: (٢٦٢٠)، ومسلم، كتاب الزكاة،
باب فضل النفقة والصدقة . . .، رقم: (١٠٠٣).
[٢]
رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر، رقم: (١٤٦٦)،
ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج، رقم: (١٠٠٠).
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث / نعم صلي أمك
Reviewed by احمد خليل
on
6:14:00 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: