شرح حديث/ يا غلام، سمّ الله تعالى، وكل بيمينك، وكل مما يليك
شرح أحاديث رياض الصالحين باب
المميزين وسائر من في رعيته بطاعة الله تعالى، ونهيه موجوب أمر أهله وأولاد
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن
عثيمين رحمه الله
شرح حديث/ يا غلام، سمّ الله تعالى، وكل بيمينك، وكل مما يليك
أحاديث رياض الصالحين
باب
المميزين وسائر من في رعيته بطاعة الله تعالى، ونهيه موجوب أمر أهله وأولاد الحديث رقم 304
عن
أبي حفص عمر بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد ربيب رسول الله ﷺ قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله ﷺ وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي
رسول الله ﷺ
(يا غلام، سمّ الله تعالى، وكل بيمينك، وكل مما يليك)
فما زالت تلك طعمتي بعد. متفق عليه (1). وتطيش: تدور في نواحي الصَّحفَةِ.
الـشـرح
ذكر
المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه، وكان ربيب
النبي ﷺ؛ لأنه ابن زوجته أم سلمة رضي الله
عنها، أنه كان مع النبي ﷺ في طعام يأكل فجعلت
يده تطيش في الصحفة، يعني تذهب يمينًا وشمالًا، فقال له النبي ﷺ) يا غلام، سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك (فهذه ثلاثة آداب علمها
النبي ﷺ هذا الغلام وهي:
أولًا:
قال) سمّ الله (وهذا
عند الأكل.
فعند
ابتداء الأكل يجب أن يقول الإنسان: بسم الله، ولا يحل له أن يتركها؛ لأنه إذا
تركها شاركه الشيطان في أكله؛ أعدى عدو له يشاركه في الأكل إذا لم يقل بسم الله،
ولو زاد: الرحمن الرحيم فلا بأس؛ لأن قول الرسول ﷺ) بسم الله (يعني
أذكر اسم الله.
والتسمية
الكاملة هي أن يقول الإنسان: بسم الله الرحمن الرحيم كما ابتدأ الله بها كتابه،
وكما أرسل بها سليمان ﷺ﴿ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ِ ﴾] النمل: 30[، فإن اقتصرت على قول بسم الله فلا حرج، وإن
زدت الرحمن الرحيم فلا حرج، الأمر في هذا واسع.
وأما
التسمية على الذبيحة فهي شرط من شروط التذكية، إذا لم تسمِّ على الذبيحة فهي حرام
ميتة، كأنما ماتت بغير ذبح.
ولكن
العلماء يقولون: لا ينبغي أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأنه الآن يريد أن
يذبحها، فالفعل ينافي القول بالنسبة لهذه الذبيحة؛ لأنها ستذبح. هكذا علل بعض
العلماء، ولكن لو قالها أيضًا فلا حرج.
الأدب
الثاني: قوله) وكل بيمينك(وهذا
أمر على سبيل الوجوب، فيجب على الإنسان أن يأكل بيمينه وأن يشرب بيمينه؛ لأن النبي
ﷺ نهى أن يأكل الإنسان بشماله، أو أن يشرب
بشماله، وقال) إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان
يأكل بشماله ويشرب بشماله) (2)
وقد نهينا عن اتباع خطوات الشيطان، قال الله تعالى﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ
يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ ﴾] النور: 21[.
ولهذا
كان القول الراجح وجوب الأكل باليمين، ووجوب الشرب باليمين، وأن الأكل بالشمال أو
الشرب بالشمال حرام، ثم إن الأكل بالشمال والشرب بالشمال مع كونه من هدي الشيطان؛
فهو أيضًا من هدي الكفار؛ لأن الكفار يأكلون بشمائلهم ويشربون بشمائلهم.
ثم
إن بعض الناس إذا كان على الأكل وأراد أن يشرب؛ فإنه يمسك الكأس باليسار ويشرب، ويقول
أخشى أن تتلوث الكأس إذا شربت باليمين، فنقول: لتتلوث، فإنها إذا تلوثت فإنما
تتلوث بطعام، ولم تتلوث ببول ولا غائط، تلوث بطعام ثم تغسل.
وبإمكانك
أن تمسك الكأس من الأسفل بين إبهامك والسبابة، وتجعلها كالحلقة ولا يتلوث منه إلا
شيء يسير، ولا عذر لأحد بالشرب بالشمال من أجل هذا؛ لأن المسألة على سبيل التحريم،
والحرام لا يجوز إلا عند الضرورة والضرورة مثل أن تكون اليد شلاء، لا يمكن أن
يرفعها إلى فيه، أو مكسورة لا يمكن أن يرفعها إلى فيه، فهذه ضرورة، أو تكون مجرحة
لا يمكن أن يأكل بها أو يشرب.
المهم
إذا كان ضرورة؛ فلا بأس باليسار، وإلا فلا يحل للمسلم أن يأكل باليسار ولا أن يشرب
باليسار.
الأدب
الثالث: قوله) وكل مما يليك(يعني
لا تأكل من حافة غيرك، بل كُلْ من الذي يليك؛ لأنك إذا اعتديت على حافة غيرك فهذا
سوء أدب، فكل من الذي يليك.
إلا
إذا كان الطعام أنواعًا، مثل أن يكون هناك لحم في غير الذي يليك فلا بأس أن تأكل،
أو يكون هناك قرع، أو ما أشبه ذلك مما يقصد، فلا بأس أن تأكل من الذي لا يليك؛ لأن
أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أكلت مع النبي ﷺ) فكان
يتتبع الدباّء من نحو القصعة((3).
الدباّء:
القرع، يتتبعه يعني يلقطه من على الصحفة ليأكله، هذا لا بأس به.
وفي
هذا الحديث من الفوائد أن ينبغي على الإنسان أن يؤدب أولاده على كيفية الأكل
والشرب، وعلى ما ينبغي أن يقول في الأكل والشرب، كما فعل النبي ﷺ في ربيبه، وفي هذا حسن خلق النبي ﷺ وتعليمه؛ لأنه لم يزجر هذا الغلام حين جعلت يده في
الصحفة، ولكن علمه برفق، وناداه برفق)
يا غلام؛ سمِّ الله، وكل بيمينك. (
وليعلم أن تعليم الصغار لمثل هذه الآداب لا ينسى،
يعني أن الطفل لا ينسى إذا علمته وهو صغير، لكن إذا كبر ربما ينسى إذا علمته،
وربما يتمرد عليك بعض الشيء إذا كبر، لكن ما دام صغيرًا وعلمته يكون أكثر إقبالًا،
ومن اتقى الله في أولاده؛ اتقوا الله فيه، ومن ضيع حق أولاده؛ ضيعوا حقه إذا احتاج
إليهم.
الحمد لله رب العالمين
(1) رواه البخاري، كتاب الأطعمة، باب التسمية على
الطعام والأكل باليمين، رقم (5376)، ومسلم،
كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامها، رقم (2022).
(2) رواه مسلم كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب
وأحكامهما، رقم (2020).
(3) رواه البخاري، كتاب الأطعمة، باب من تتبع نحو
القصعة مع صاحبه. رقم (5379)، ومسلم، كتاب
الأشربة، باب جواز أكل المرق. رقـم (2041).
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث/ يا غلام، سمّ الله تعالى، وكل بيمينك، وكل مما يليك
Reviewed by احمد خليل
on
9:38:00 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: