شرح حديث/ اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
باب
تحريم الظلم والأمر بردّ المظالم
شرح حديث/ اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة
أحاديث رياض الصالحين: باب تحريم الظلم
والأمر بردّ المظالم.
٢٠٨- وعن جابرٍ رضي الله عنه، أَنَّ
رَسُول اللَّه ﷺ قالَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ
القِيامَة، واتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ،
حَمَلَهُم عَلَى أَن سَفَكُوا دِمَاءَهم، واستحَلُّوا مَحَارِمَهُم»
[١] رواه مسلم.
الشرح:
قال المؤلف رحمه الله تعالى-: "باب
تحريم الظلم والأمر برد المظالم" يعني: إلى أهلها.
هذا الباب يشتمل على أمرين:
الأمر الأول: تحريم الظلم.
والأمر الثاني: وجوب ردّ المظالم.
واعلم أن الظلم هو النقص، قال الله تعالى: {كِلْتَا
الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف:
٣٣]، يعني: لم تنقص منه شيئًا، والنقص إما أن يكون بالتجرؤ على ما لا يجوز
للإنسان، وإما بالتفريط فيما يجب عليه.
وحينئذٍ يدور الظلم على هذين الأمرين،
إما ترك واجب، وإما فعل محرم.
والظلم نوعان: ظلم يتعلق بحق الله عزَّ وجلَّ، وظلم
يتعلق بحق العباد، فأعظم الظلم هو المتعلق بحق الله تعالى والإشراك به، فإن النبي ﷺ سئل: "أيُّ الذنبِ أعظمُ قال: «أن تجعلَ للهِ نِدًّا وهو خلقكَ» [٢]"،
ويليه الظلم في الكبائر، ثم الظلم في الصغائر.
أما في حقوق عباد الله فالظلم يدور على ثلاثة أشياء، بينها النبي ﷺ في خطبة حجة الوداع، فقال: «فإنَّ دِمَاءَكُمْ، وأَمْوَالَكُمْ، وأَعْرَاضَكُمْ، علَيْكُم
حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا»
[٣]، الظلم في النفس هو الظلم في الدماء، بأن يعتدي الإنسان على غيره، بسفك الدماء
أو الجروح أو ما أشبه ذلك، والظلم في الأموال بأن يعتدي الإنسان ويظلم غيره في الأموال،
إما بعدم بذل الواجب، وإما بإتيان محرم، وإما بأن يمتنع من واجب عليه، وإما بأن
يفعل شيئًا محرمًا في مال غيره.
وأما الظلم في الأعراض فيشمل الاعتداء على الغير بالزنا، واللواط، والقذف، وما
أشبه ذلك.
وكل الظلم بأنواعه محرم، ولن يجد الظالم من ينصره من الله تعالى، قال الله تعالى:
{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ
يُطَاعُ} [غافر: ١٨]، أي: أنه يوم القيامة لا يجد الظالم حميمًا، إي:
صديقًا ينجيه من عذاب الله، ولا يجد شفيعًا يشفع له فيُطاع؛ لأنه منبوذ بظلمه
وغشمه وعدوانه، فالظالم لن يجد من ينصره يوم القيامة، وقال تعالى: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [البقرة:
٢٧٠]، يعني: لا يجدون انصاراً ينصرونهم ويخرجونهم من عذاب الله سبحانه وتعالى، في
ذلك اليوم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله، حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي ﷺ قال: «اتَّقُوا الظُّلْمَ»، اتقوا يعني:
احذروا، والظلم هو كما سبق يكون في حق الله، ويكون في حق العباد، فقوله ﷺ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ» أي: لا تظلموا أحدًا، لا
أنفسكم ولا أنفسكم ولا غيركم، «فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيامَة»
ويوم القيامة ليس هناك نور إلا من أنار الله تعالى له، وأما من لم يجعل الله له
نورًا فما له من نور، والإنسان إن كان مسلمًا فله نور بقدر إسلامه، ولكن إن كان
ظالمًا فقد من هذا النور بمقدار ما حصل من الظلم، لقوله ﷺ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ
ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيامَة».
ومن الظلم: "مطل الغني"، يعني: أن لا يوفى الإنسان ما عليه وهو غني به
لقوله ﷺ: «نمَطْلُ
الغَنِيِّ ظُلْمٌ» [٤]، وما أكثر الذين يماطلون في حقوق الناس، يأتي عليه
صاحب الحق فيقول: يا فلان أعطني حقي فيقول: غدًا، فيأتيه من غدٍ فيقول: بعد غدٍ
وهكذا، فإن هذا الظلم يكون ظلمات يوم القيامة على صاحبه.
قوله: «واتَّقُوا الشُّحَّ» الحرص على المال «فَإِنَّ أَهْلَكَ مَنْ كانَ
قَبْلَكُمْ»؛ لأن الحرص على المال -نسأل الله السلامة- يوجب للإنسان أن يكسب المال
من أي وجه كان، من حلال أو حرام؛ بل قال النبي عليه الصلاة والسلام: «حَمَلَهُم»،
إي: حمل من كان قبلنا «عَلَى أَن سَفَكُوا دِمَاءَهم، واستحَلُّوا مَحَارِمَهُم»
يسفك الشحيح الدماء إذا لم يتوصل إلى طمعه إلا بالدماء، كما هو الواقع عند أهل
الشحّ، يقطعون الطريق على المسلمين، ويقتلون الرجل، ويأخذون متاعه، ويأخذون بعيره،
وكذلك أيضًا يعتدون على الناس في داخل البلاد، يقتلونهم ويهتكون حجب بيوتهم،
فيأخذون المال بالقوة والغلبة.
فحذّر النبي ﷺ من أمرين: من الظلم،
ومن الشحّ.
فالظلم هو الاعتداء على الغير، والشح هو
الطمع فيما عند الغير. فكل ذلك محرم، ولهاذا قال الله تعالى في كتابه: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: ٩]، فدلت الآية: على أن من لم يوق شح نفسه
فلا فلاح له. المفلح من وقاه الله شحّ نفسه. نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الظلم،
وأن يقينا شح أنفسنا وشرورها.
[١] أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة باب
تحريم الظلم، رقم (٢٥٧٨).
[٢] أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب
قتل الولد خشية أن يأكل معه، رقم (٦٠٠١)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب كون
الشرك أقبح الذنوب، رقم (٨٦).
[٣] أخرجه البخاري: (٤٤٠٦)، ومسلم: (١٦٧٩).
[٤] صحيح البخاري: (٢٢٨٨)، ومسلم: (١٥٦٤).
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا
ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: