شرح حديث/ لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة
باب تحريم الظلم والأمر بردّ المظالم
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن
عثيمين رحمه الله
شرح حديث/ لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة
باب تحريم الظلم والأمر بردّ المظالم الحديث رقم 209
عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ
قال: (لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ
الْقَرْنَاءِ) رواه مسلم (1).
والجلحاء: التي لا قرن لها
الشرح
في
هذا الحديث أقسم النبي ﷺ
وهو الصادق المصدق بغير قسم. أقسم أن الحقوق ستؤدى على أهلها يوم القيامة، ولا
يضيع لأحد حقٌ، الحق الذي لك إن لم تستوفه في الدنيا استوفيته في الآخرة ولابدّ،
حتى إنه يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء.
الجلحاء:
التي ليس لها قرن.
والقرناء:
التي لها قرن. والغالب أن التي لها اقرن إذا ناطحت الجلحاء التي ليس لها قرن
تؤذيها أكثر، فإذا كان يوم القيامة قضى الله بين هاتين الشاتين، واقتص للشاة
الجلحاء من الشاة القرناء.
هذا
وهي بهائم لا يعقلن ولا يفهمن؛ لكن الله عزّ وجلّ حكم عدل، أراد أن يُري عباده
كمال عدله حتى في البهائم العجم، فكيف ببني آدم!
وفي
هذا الحديث دليلٌ على أن البهائم تُحشر يوم القيامة وهو كذلك، وتحشر الدوابّ، وكل
ما فيه روح يحشر يوم القيامة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا
مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم﴾] الأنعام:
38[، أمم كثيرة، أمة الذر، أمة الطيور، أمة
السباع، أمة الحيّات وهكذا ﴿إِلَّا أُمَمٌ
أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾] الأنعام:
38[.
وكل
شيء مكتوب، حتى أعمال البهائم والحشرات مكتوبة في اللوح المحفوظ ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى
رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا
الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴾ ﴿ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ﴾] التكوير:
4-5[، يحشر يوم القيامة كل شيء، يقضى الله تعالى
بينهم بحكمه وعدله، وهو السميع العليم، يقتص من البهائم بعضها مع بعض، ومن
الآدميين بعضهم مع بعض، ومن الجن بعضهم مع بعض، ومن الجن والإنس بعضهم مع بعض، لأن
الإنس قد يعتدون على الجن، والجن قد يعتدون على الإنس، فمن عدوان الجن على الإنس
الشيء الكثير، من عدوان الإنس على الجن أن يستجمر الإنسان بالعظم؛ لأن النبي ﷺ نهى أن نستنجي بالعظام
وقال: (إنها زاد إخوانكم من الجن) (2) الجن
يجدون العظام، فإذا استجمر أحد بها فقد اعتدى عليهم وكدرها عليهم، ويخشى أن يؤذوه
إذا أذاهم بها.
على
كل حال ففي يوم القيامة يُقتص للمظلوم من الظالم، ويؤخذ من حسنات الظالم إلا إذا
نفدت حسناته؛ فيؤخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه. قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(من تعدون المفلس فيكم) - أي الذي ليس عنده
شيء- قالوا: المفلس من لا درهم عنده ولا متاع. قال: (المفلس
من يأتي يوم القيامة بحسنات مثل الجبال، فيأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وأخذ مال
هذا، وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن بقي من حسناته شيء،
وإلا أخذ من سيئاتهم فطُرحت عليه، ثم طرح في النار) (3).
لا
بدَّ أن يقتص للمظلوم من الظالم، ولكن إذا أخذ المظلوم بحقه في الدنيا، فدعا على
الظالم بقدر مظلمته، واستجاب الله دعاءه فيه، فقد اقتص لنفسه قبل أن يموت، لأن
النبي ﷺ
قال لمعاذ: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين
الله حجاب) (4).
فإذا
دعا المظلوم على ظالمه في الدنيا واستجيب لدعائه فقد اقتصّ منه في الدنيا، أما إذا
سكت فلم يدع عليه ولم يعفف عنه فإنه يتقصّ له منه يوم القيامة، والله المستعان.
الحمد لله رب العالمين
(1) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة باب تحريم الظلم،
رقم (2582).
(2) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب الجهر بالقراءة في
الصبح رقم (450)، والترمذي، كتاب الطهارة باب
ما جاء في كراهية ما يستنجى به رقم (18).
(3) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة باب تحريم الظلم،
رقم (2581).
(4) أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من
الأغنياء، رقم (1496) مسلم، كتاب الإيمان،
الأمر بالإيمان بالله ورسوله وشرائع الدين، رقم (19).
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات
النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم
صالح الأعمال
شرح حديث/ لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة
Reviewed by احمد خليل
on
7:30:00 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: