Top Ad unit 728 × 90

أخبار المدونة

احاديث نبوية شريفة

شرح حديث عبد الله بن الزبير رضي اللَّه عنهما / يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم

باب الأمر بأداء الأمانة

شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

شرح- حديث- عبد- اللَّهِ -بنِ- الزُّبَيْرِ- رضي- اللَّه- عنهما- يا -بني -إنه -لا -يقتل -اليوم -إلا- ظالم -أو- مظلوم

شرح حديث عبد الله بن الزبير رضي اللَّه عنهما / يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم

أحاديث رياض الصالحين: باب الأمر بأداء الأمانة

 

٢٠٧ - وعن أَبِي خُبَيْبٍ عبد اللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ -رضي اللَّه عنهما- قَالَ: لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعانِي، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّهُ لا يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلَّا ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وإِنِّي لا أُرَانِي إِلَّا سَأُقْتَلُ الْيَومَ مَظْلُومًا، وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي، أَفَتَرَى دَيْنَنَا يُبْقِي مِنْ مالِنا شَيْئًا؟ ثُمَّ قَالَ: يا بُنَيَّ، بِعْ مَالَنَا واقْضِ دَيْنِي، وَأَوْصَى بالثُّلُثِ، وَثُلُثه لِبَنِيهِ، يَعْنِي: لبَنِي عَبْدِ اللَّه بن الزبير ثُلُثُ الثُّلُث. قَالَ: فَإِن فَضل مِنْ مالِنَا بعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ فثُلُثُهُ لِبَنِيك، قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ بَعْضُ وَلَد عَبْدِ اللَّهِ قَدْ وَازى بَعْضَ بَني الزبَيْرِ خُبيبٍ وَعَبَّادٍ، وَلَهُ يَوْمَئذٍ تَسْعَةُ بَنينَ وتِسعُ بَنَاتٍ.
قَالَ عَبْدُ اللَّه: فَجَعَل يُوصِينِي بدَيْنِهِ وَيَقُول: يَا بُنَيَّ، إِنْ عَجَزْتَ عنْ شَيءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بمَوْلايَ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا دَريْتُ مَا أرادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَتِ، مَنْ مَوْلَاكَ؟ قَالَ: اللَّه. قَالَ: فَواللَّهِ مَا وَقَعْتُ في كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلَّا قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزبَيْرِ، اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ، فَيَقْضِيَهُ. قَالَ: فَقُتِلَ الزُّبَيْرُ وَلَمْ يَدَعْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِلَّا أَرَضِينَ، مِنْهَا الْغَابَة، وَإِحْدَى عَشرَةَ دَارًا بالْمَدِينَةِ، وداريْن بالْبَصْرَةِ، وَدَارًا بالْكُوفَة، وَدَارًا بِمِصْرَ.
قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الذي كَانَ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ كان يَأْتيهِ بِالمالِ، فَيَسْتَودِعُهُ إِيَّاهُ، فَيَقُولُ الزُّبيْرُ: لا، وَلَكنْ هُوَ سَلَفٌ، إِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعةَ. وَمَا ولِي إِمَارَةً قَطُّ، وَلا جِبَايةً، ولا خَراجًا، وَلا شَيْئًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ في غَزْوٍ مَعَ رسولِ اللَّه ، أَوْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ -رضي اللَّه عنهما- قَالَ عَبْدُ اللَّه: فَحَسبْتُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ فَوَجَدْتُهُ: أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِئَتَيْ أَلْفٍ.
فَلَقِيَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَبدَ اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، كَمْ عَلَى أَخِي مِنَ الدَّيْنِ؟ فَكَتَمْتُهُ وَقُلْتُ: مِئَةُ أَلْفٍ، فَقَالَ: حَكيمٌ: وَاللَّه مَا أَرى أَمْوَالَكُمْ تَسعُ هَذِهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَرَأَيْتُكَ إِنْ كَانَتْ أَلْفَي أَلْفٍ وَمِئَتَيْ أَلْفٍ؟ قَالَ: مَا أَرَاكُمْ تُطِيقُونَ هَذَا! فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ شَيءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِينُوا بِي.
قَالَ: وكَانَ الزُّبَيْرُ قدِ اشْتَرَى الْغَابَةَ بِسَبْعِينَ ومِئَة أَلْفٍ، فَبَاعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بِأْلف ألفٍ وسِتِّمِئَةِ أَلْف، ثُمَّ قَامَ فَقالَ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ شَيْءٌ فَلْيُوافِنَا بِالْغَابَةِ، فأَتَاهُ عبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعفر، وكَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَرْبعُمِئةِ أَلْفٍ، فَقَالَ لعَبْدِ اللَّه: إِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّه: لا، قَالَ: فَإِنْ شِئْتُمْ جعَلْتُموهَا فِيمَا تُؤخِّرُونَ إِنْ أَخَّرْتُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّه: لا، قَالَ: فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَةً، قَالَ عبْدُ اللَّه: لَكَ مِنْ هاهُنا إِلَى هاهُنَا. فَبَاعَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْهَا، فَقَضَى عَنْهُ دَيْنَه وَأَوْفَاهُ، وَبَقِيَ منْهَا أَرْبَعةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ، فَقَدم عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبيْرِ، وَابْنُ زَمْعَةَ. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: كَمْ قُوِّمَتِ الْغَابَةُ؟ قال: كُلُّ سَهْمٍ بِمِئَةِ أَلْفٍ، قَالَ: كَمْ بَقِي مِنْهَا؟ قَالَ: أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ ونِصْفٌ، فَقَالَ الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ: قَدْ أَخَذْتُ مِنْهَا سَهْمًا بِمِئَةِ أَلْفٍ، وقال عَمْرُو بنُ عُثْمانَ: قَدْ أَخَذْتُ مِنْهَا سَهْمًا بِمِئَةِ أَلْفٍ، وَقالَ ابْنُ زمْعَةَ: قَد أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِئَةِ أَلْفٍ، فَقَالَ مُعَاوِيةُ: كَمْ بَقِيَ مِنْهَا؟ قَالَ: سَهْمٌ ونصْفُ سَهْمٍ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ بِخَمسينَ ومئَةِ ألْفٍ. قَالَ: وبَاعَ عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ نصِيبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بسِتِّمِئَةِ أَلْفٍ.
فَلَمَّا فَرغَ ابنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قَضاءِ دَيْنِهِ قَالَ بَنُو الزُّبَيْرِ: اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيراثَنَا. قَالَ: وَاللَّهِ لا أَقْسِمُ بيْنَكُمْ حَتَّى أُنَادِيَ بالمَوْسم أَرْبَع سِنِين: أَلا مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فَلْنَقْضِهِ. فَجَعَلَ كُلّ سَنَةٍ يُنَادِي في الْمَوسمِ، فَلَمَّا مَضى أَرْبَعُ سِنينَ قَسم بَيْنَهُمْ، ودَفَعَ الثُّلثَ، وكَان للزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، فَأَصاب كُلَّ امْرَأَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ ومِئَتَا أَلْفٍ، فَجَمِيعُ مَالِهِ خَمْسُونَ أَلْف أَلْفٍ ومِئَتَا أَلْفٍ. رواه البخاري.

 

الشيخ:

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلِّمْ على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

فهذا الحديث في قصة الزبير ودينه، وفيه الدلالة على أنَّ مَن أخذ أموال الناس يُريد أداءها أدَّى الله عنه، كما قاله النبي ، يقول : «مَن أخذ أموالَ الناس يُريد أداءها أدَّى الله عنه، ومَن أخذها يُريد إتلافَها أتلفه الله».


كان الزبير يأخذها ليحفظها للناس، فقد كانوا يأتونه ويقولون: اجعل هذه عندك أمانة، فيقول: لا، ما هي بأمانة، اجعلوها سلفًا، يعني: يخشى عليها الضَّيْعة فيأخذها سلفًا حتى تبقى في ذمته، فلمَّا تُوفي رضي الله عنه -قُتل يوم الجمل- استقرَّ في ذمته ديونٌ كثيرةٌ للناس، ذكر ابنه أنها ألفا ألف ومئتا ألف، يعني: مليونين ومئتي ألف درهم، ولم يكن خلف الزبير نقودٌ؛ لأنه كان رضي الله عنه مِنْفَاقًا، يُنفق على عياله وعلي غيرهم، جوادًا كريمًا، وكانت له إحدى عشرة دارًا في المدينة، وداران في الكوفة، ودار في البصرة، ودار في مصر، وله الأرض في الغابة: أرضان أو أراضٍ في الغابة.


فأوصى الزبير ابنه عندما حضرت وقعة الجمل وقال: "إني أخشى أن أُقتل في هذه الغزوة -غزوة الجمل-"، فأوصاه أن يهتم بقضاء الدَّيْن، وأن يستعين بمولاه، وهو الله عزَّ وجلَّ، فكلما اشتدَّ به الأمر يقول: يا مولى الزبير، اقضِ دَيْنَ الزبير، يعني: يا الله، فبارك الله له في ماله، وباع من الغابة مليون وستمئة ألف، وقضى منها غالب الدَّيْن، وجعلها ستة عشر سهمًا، كل سهم مئة ألف، وباعها كما سمعتم بمليون وستمئة ألف، وأوفى به كثيرًا، وأوفى من بقية الدور وبقية الأراضي، وبقي مالٌ كثيرٌ، حتى حصل لزوجته مليون ومئتا ألف، يعني: وهم أربعة، فصار لهن خمسة ملايين إلا خمس مليون.


فالمعنى أن التركة بلغت شيئًا كثيرًا بعد الدين، حتى صار ثمنها نحو هذا، حتى بلغت نحو أربعين مليونًا بعد قضاء الدين، وهذا من البركة العظيمة التي أنزلها الله في ماله، حتى صار لكلِّ زوجةٍ مليون ومئتا ألف، يعني: للزوجات الأربع أربعة ملايين وثمانمئة ألف، وهذا يدل على أن الله بارك في ماله، وأوفى دينه، ونفع الله به ذريته.


وفيه أنه أوصى لأولاد عبد الله بثلث الثلث، وهذا يدل على جواز الوصية لأولاد الولد، وأنه لا حرج؛ لأنهم غير وارثين، وليسوا من الورثة.


وفيه أنه لا بأس أن يأخذ الإنسانُ الدَّيْنَ؛ لأن الزبير -رضي الله عنه- هو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وهذا يدل على أن الصحابة قد عرفوا هذا، وأنه لا بأس أن يأخذ الإنسان الأمانةَ باسم الدَّيْن، يجيء بها إنسانٌ ويقول له: هذه أمانة عندك. فيقول: لا، ما هي بأمانة -يعني: أخشى عليها- لكن تكون دَيْنًا في ذمتي متى أردتَها سددناها لك.


بهذا يجتمع شيءٌ كثير؛ لأنَّ الناس يحتاجون مَن يُؤَمِّنون عنده أموالهم، ولا سيَّما الغُرباء، ولا سيَّما مَن ليس عنده بيتٌ حصينٌ، فإذا رغب أخو الإنسان إليه في إيداع أمانةٍ، وأحبّ أن يجعلها دينًا لا أمانة فلا بأس، وإن حفظها وجعلها أمانةً فلا بأس، فالأمانة تُحفظ، وإذا تلفت بغير تعدٍّ ولا تفريطٍ ما تُضْمَن، إذا لم يتعدَّ الأمينُ ولم يُفَرِّط لا تُضْمَن، لكن الزبير -رضي الله عنه- خاف عليها من أن يحصل تعدٍّ أو تفريطٌ أو تساهلٌ فجعلها قرضًا، قال له: تكون قرضًا في ذمتي، متى أردتم سُلِّمَتْ لكم. وبحسن نيته، ورغبته في الخير، وحرصه على نفع الناس؛ حقّق الله له آماله الطيبة، وأوفى عنه دَيْنَه، وخلَّف لورثته الشيء الكثير، غفر الله له ورضي عنه.


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

شرح حديث عبد الله بن الزبير رضي اللَّه عنهما / يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم Reviewed by احمد خليل on 1:11:00 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.