فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
باب الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ
الزَّكَاةِ:
بَابُ الصَّدَقَةِ عَلَى مَوَالِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ.
١٤٩٢- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ،
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
قَالَ: وَجَدَ النَّبِيُّ ﷺ شَاةً مَيِّتَةً،
أُعْطِيَتْهَا مَوْلاَةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ النَّبِيِّ ﷺ: «هَلَّا
انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا؟» قَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ: قَالَ: «إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا».
الشرح:
قوله: (باب الصدقة على موالي أزواج
النبي ﷺ) لم يترجم لأزواج النبي ﷺ ولا لموالي النبي ﷺ؛
لأنه لم يثبت عنده فيه شيء، وقد نقل ابن بطال أنهن، أي: الأزواج، لا
يدخلن في ذلك باتفاق الفقهاء، وفيه نظر فقد ذكر ابن
قدامة أن الخلال أخرج من طريق ابن أبي مليكة،
عن عائشة قالت: "إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة".
قال وهذا يدل على تحريمها. قلت: وإسناده إلى عائشة حسن، وأخرجه ابن
أبي شيبة أيضا، وهذا لا يقدح فيما نقله ابن بطال، وروى أصحاب السنن
وصححه الترمذي، وابن حبان وغيره عن أبي رافع مرفوعا:
"إنا لا تحل لنا الصدقة، وأن موالي القوم من أنفسهم". وبه
قال أحمد وأبو حنيفة وبعض المالكية، كابن الماجشون، وهو
الصحيح عند الشافعية وقال الجمهور: يجوز لهم لأنهم ليسوا منهم حقيقة، ولذلك
لم يعوضوا بخمس الخمس، ومنشأ الخلاف قوله: "منهم". أو: "من أنفسهم".
هل يتناول المساواة في حكم تحريم الصدقة أو لا؟ وحجة الجمهور أنه لا يتناول جميع
الأحكام فلا دليل فيه على تحريم الصدقة، لكنه ورد على سبب الصدقة، وقد اتفقوا على
أنه لا يخرج السبب، وإن اختلفوا: هل يخص به أو لا؟ ويمكن أن يستدل لهم بحديث الباب؛
لأنه يدل على جوازها لموالي الأزواج، وقد تقدم أن الأزواج ليسوا في ذلك من جملة
الآل فمواليهم أحرى بذلك، قال ابن المنير في الحاشية: إنما
أورد البخاري هذه الترجمة ليحقق أن الأزواج لا يدخل مواليهن في الخلاف
ولا يحرم عليهن الصدقة قولا واحدا لئلا يظن الظان أنه لما قال بعض الناس بدخول
الأزواج في الآل أنه يطرد في مواليهن، فبين أنه لا يطرد.
ثم أورد المصنف في الباب حديثين: أحدهما
حديث ابن عباس في الانتفاع بجلد الشاة لقوله فيه: "أعطيتها
مولاة لميمونة من الصدقة". وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الذبائح،
إن شاء الله تعالى، ولم أقف على اسم هذه المولاة.
١٤٩٣- حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ
لِلْعِتْقِ، وَأَرَادَ مَوَالِيهَا أَنْ يَشْتَرِطُوا وَلاَءَهَا، فَذَكَرَتْ
عَائِشَةُ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ لَهَا
النَّبِيُّ ﷺ: «اشْتَرِيهَا
فَإِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» قَالَتْ: وَأُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِلَحْمٍ، فَقُلْتُ: هَذَا مَا تُصُدِّقَ بِهِ
عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ: «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ،
وَلَنَا هَدِيَّةٌ».
الشرح:
ثانيهما: حديث عائشة في
قصة بريرة، وفيه قوله ﷺ في اللحم الذي
تصدق به عليها: هو لها صدقة ولنا هدية. وسيأتي الكلام عليه
مستوفى في العتق، إن شاء الله تعالى.
(تنبيه): قال الإسماعيلي: هذه
الترجمة مستغنى عنها، فإن تسمية المولى لغير فائدة، وإنما هو لسوق الحديث على وجهه
فقط. كذا قال، وقد علمت ما فيها من الفائدة.
الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا
بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال
