فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
باب الرياء في
الصدقة
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ الزَّكَاةِ: بَابُ الرِّيَاءِ فِي الصَّدَقَةِ.
لِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة: ٢٦٤] إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ} [البقرة: ٢٦٤].
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "صَلْدًا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ".
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {وَابِلٌ} [البقرة: ٢٦٤]: مَطَرٌ شَدِيدٌ، وَالطَّلُّ: النَّدَى.
الشرح:
قوله: (باب الرياء في الصدقة) قال الزين بن المنير: يحتمل أن يكون مراده إبطال الرياء للصدقة فيحمل على ما تمحض منها لحب المحمدة والثناء من الخلق، بحيث لولا ذلك لم يتصدق بها قوله لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة: ٢٦٤] إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ} قال الزين بن المنير: وجه الاستدلال من الآية أن الله تعالى شبه مقارنة المن والأذى للصدقة أو إتباعها بذلك بإنفاق الكافر المرائي الذي لا يجد بين يديه شيئا منه، ومقارنة الرياء من المسلم لصدقته أقبح من مقارنة الإيذاء، وأولى أن يشبه بإنفاق الكافر المرائي في إبطال إنفاقه. اهـ.
وقال بن رشيد: اقتصر البخاري في هذه الترجمة على الآية، ومراده أن المشبه بالشيء يكون أخفى من المشبه به؛ لأن الخفي ربما شبه بالظاهر ليخرج من حيز الخفاء إلى الظهور، ولما كان الإنفاق رياء من غير المؤمن ظاهرا في إبطال الصدقة شبه به الإبطال بالمن والأذى، أي: حالة هؤلاء في الإبطال كحالة هؤلاء هذا من حيث الجملة ولا يبعد أن يراعى حال التفصيل أيضا؛ لأن حال المان شبيه بحال المرائي؛ لأنه لما من ظهر أنه لم يقصد وجه الله وحال المؤذي يشبه حال الفاقد للإيمان من المنافقين؛ لأن من يعلم أن للمؤذي ناصرا ينصره لم يؤذه فعلم بهذا أن حالة المرائي أشد من حالة المان والمؤذي. انتهى. ويتلخص أن يقال لما كان المشبه به أقوى من المشبه، وإبطال الصدقة بالمن والأذى قد شبه بإبطالها بالرياء فيها كان أمر الرياء أشد.
قوله: (وقال بن عباس: صلدا ليس عليه شيء) وصله بن جرير من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عباس هكذا في قوله: {فَتَرَكَهُ صَلْدًا} [البقرة: ٢٦٤] أي: ليس عليه شيء، وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في هذه الآية قال: هذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يوم القيامة، يقول: {لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا} [البقرة: ٢٦٤] يومئذ كما ترك هذا المطر الصفا نقيا ليس عليه شيء، ومن طريق أسباط عن السدي نحوه.
قوله: (وقال عكرمة: وابل مطر شديد والطل الندى) وصله عبد بن حميد عن روح بن عبادة عن عثمان بن غياث سمعت عكرمة قال: في قوله: "وابل" قال: مطر شديد. و"الطل" الندى.
الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال