فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ الجَنَائِزِ: بَابُ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الكِتَابِ عَلَى الجَنَازَةِ.
وَقَالَ الحَسَنُ: يَقْرَأُ عَلَى
الطِّفْلِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا وَسَلَفًا
وَأَجْرًا.
١٣٣٥- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ طَلْحَةَ،
قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ح حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ،
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ
الكِتَابِ قَالَ: لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ.
الشرح:
قوله: (باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة) أي:
مشروعيتها، وهي من المسائل المختلف فيها، ونقل ابن المنذر، عن ابن مسعود، والحسن
بن عليّ، وابن الزبير، والمسور بن مخرمة مشروعيتها، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق. ونقل
عن أبي هريرة، وابن عمر: ليس
فيها قراءة، وهو قول مالك والكوفيين.
قوله: (وقال الحسن إلخ)
وصله عبد الوهاب بن عطاء في "كتاب الجنائز" له عن سعيد
بن أبي عروبة أنه سئل عن الصلاة على الصبي، فأخبرهم عن قتادة،
عن الحسن أنه كان يكبر ثم يقرأ فاتحة الكتاب، ثم يقول: اللهم اجعله لنا
سلفا وفرطا وأجرا. وروى عبد الرزاق، والنسائي، عن أبي أمامة بن سهل
بن حنيف قال: السُّنَّة في الصلاة على الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن،
ثم يصلي على النبي ﷺ، ثم يخلص الدعاء للميت
ولا يقرأ إلا في الأولى. إسناده
صحيح.
قوله: (عن سعد) هو
ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وطلحة هو ابن عبد الله بن عوف
الخزاعي كما نسميهما في الإسناد الثاني.
(تنبيه): ليس في حديث الباب بيان محل
قراءة الفاتحة، وقد وقع التصريح به في حديث جابر، أخرجه الشافعي بلفظ:
"وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى". أفاده شيخنا في
شرح الترمذي وقال: إن سنده ضعيف.
قوله: (لتعلموا أنها سُّنَّة) قال الإسماعيلي: جمع البخاري بين
روايتي شعبة، وسفيان، وسياقهما مختلف اهـ. فأما
رواية شعبة فقد أخرجها ابن خزيمة في
صحيحه والنسائي جميعا عن محمد بن
بشار شيخ البخاري فيه بلفظ: "فأخذت بيده، فسألته عن ذلك، فقال:
نعم يا بن أخي، إنه حق وسُّنَّة". وللحاكم من طريق آدم،
عن شعبة "فسألته فقلت: يقرأ؟ قال: نعم، إنه حق وسُّنَّة". وأما
رواية سفيان فأخرجها الترمذي من طريق عبد الرحمن بن
مهدي عنه بلفظ: "فقال: إنه من السُّنَّة، أو من تمام السُّنَّة". وأخرجه النسائي أيضا
من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه بهذا الإسناد بلفظ: "فقرأ بفاتحة
الكتاب وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده فسألته، فقال: سُّنَّة وحق". وللحاكم من
طريق ابن عجلان أنه سمع سعيد بن أبي سعيد يقول: صلى ابن
عباس على جنازة فجهر بالحمد، ثم قال: إنما جهرت لتعلموا أنها سُّنَّة. وقد
أجمعوا على أن قول الصحابي: "سُّنَّة" حديث مسند، كذا نقل الإجماع، مع
أن الخلاف عند أهل الحديث وعند الأصوليين شهير، وعلى الحاكم فيه
مأخذ آخر وهو استدراكه له، وهو في البخاري، وقد روى الترمذي من وجه
آخر عن ابن عباس أن النبي ﷺ قرأ على
الجنازة بفاتحة الكتاب وقال: لا يصح هذا، والصحيح عن ابن عباس قوله:
"من السُّنَّة" وهذا مصير منه إلى الفرق بين الصيغتين، ولعله أراد الفرق
بالنسبة إلى الصراحة والاحتمال، والله أعلم. وروى الحاكم أيضا من طريق شرحبيل
بن سعد عن ابن عباس، أنه صلى على جنازة بالأبواء فكبر، ثم قرأ الفاتحة
رافعا صوته، ثم صلى على النبي ﷺ، ثم قال:
اللهم عبدك وابن عبدك أصبح فقيرا إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، إن كان زاكيا فزكه،
وإن كان مخطئا فاغفر له. اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده. ثم كبر ثلاث
تكبيرات ثم انصرف، فقال: يا أيها الناس، إني لم أقرأ عليها -أي جهرا-، إلا لتعلموا
أنها سنة. قال الحاكم: شرحبيل لم
يحتج به الشيخان، وإنما أخرجته؛ لأنه مفسر للطرق المتقدمة. انتهى. وشرحبيل مختلف في توثيقه،
واستدل الطحاوي على ترك القراءة في الأولى بتركها في باقي التكبيرات
وبترك التشهد، قال: ولعل قراءة من قرأ الفاتحة من الصحابة كان على وجه الدعاء لا
على وجه التلاوة.
وقوله: "أنها سُّنَّة" يحتمل
أن يريد أن الدعاء سُّنَّة. انتهى. ولا يخفى ما يجيء على كلامه من التعقب، وما
يتضمنه استدلاله من التعسف.
الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا
بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال