باب
الخوف
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح حديث/ من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل
أحاديث رياض الصالحين: باب الخوف.
٤١٥- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: قال
رسول اللَّه ﷺ: «مَنْ
خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ، بَلَغَ المَنْزلَ ألا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ
غَاليةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعةَ اللَّهِ الجَنَّةُ» [١] رواه الترمذي وقال:
حديثٌ حسنٌ.
و «أَدْلَجَ» بِإِسْكان الدَّال، ومعناه: سَارَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَالمُرَادُ:
التَّشْمِيرُ في الطَّاعَة. واللَّه أعلم.
٤١٦- وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها، قالت: سمعتُ رسول اللَّه ﷺ، يقول: «يُحْشَرُ
النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُراةً غُرْلاً» قُلْتُ: يا رسول
اللَّه الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعاً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ!؟ قال:
«يا عَائِشَةُ الأَمرُ أَشَدُّ من أَنْ يُهِمَّهُم
ذلكَ».
وفي روايةٍ: «الأَمْرُ أَهَمُّ مِن أَن يَنْظُرَ
بَعضُهُمْ إِلى بَعْضٍ» [٢] متفقٌ عليه.
«غُرلاً» بضَمِّ الغَيْنِ المعجمة، أي:
غير مختونين.
الـشـرح:
قال المؤلف رحمه الله تعالى، في باب الخوف:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال:
«مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ، بَلَغَ المَنْزلَ» قوله: "أدلج"
يعني: مشى في الدلجة، وهي أول الليل، «وَمَنْ أَدْلَجَ، بَلَغَ المَنْزلَ»؛
لأنه إذا سار في أول الليل، فهو يدل على اهتمامه في المسير، وأنه جاد فيه، ومن كان
كذلك بلغ المنزل.
قوله: «ألا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَاليةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعةَ اللَّهِ
الجَنَّةُ».
"السلعة" يعني: التي يعرضها الإنسان للبيع، و "الجنة" قد
عرضها الله عزَّ وجلَّ، لعباده ليشتروها.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ
وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ
وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ
فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:
١١١].
قوله: "من خاف" يعني: من كان
في قلبه خوف لله؛ عمل العمل الصالح الذي ينجيه مما يخاف.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت النبي ﷺ
يقول: «يُحْشَرُ النَّاسُ» يعني: يجمعون يوم القيامة «حُفَاةً» ليس
لهم نعال «عُراةً» ليس عليهم ثياب «غُرْلاً» غير مختونين.
يخرج الناس من قبورهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، يعني: في كمال الخلقة، كما قال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء:
١٠٤]، فقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، الرجال والنساء، يعني: عراة ينظر
بعضهم إلى بعض. قال: الأمر أكبر أو أعظم من أن يهمهم ذلك، أو من أن ينظر بعضهم إلى
بعض، أي: إن الأمر عظيم جداً، لا ينظر أحد إلى أحد {لِكُلِّ
امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: ٣٧].
نسأل الله تعالى أن ينجينا وإياكم من عذاب النار، وأن يجعلنا وإياكم ممن يخافه ويرجوه.
[١] رواه الترمذي: (٢٤٥٠)، الحاكم: (٤/
٣٠٧، ٣٠٨) وله شاهد عن أبيّ بن كعب رواه أبو نعيم (٨/٣٧٧).
[٢] رواه البخاري: (٦٥٢٧)، ومسلم: (٢٨٥٩).
الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا
بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال