باب تحريم الشفاعة في الحدود

باب تحريم الشفاعة في الحدود
المؤلف احمد خليل
تاريخ النشر
آخر تحديث

شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

باب – تحريم – الشفاعة – في - الحدود

باب تحريم الشفاعة في الحدود

 

أحاديث رياض الصالحين: كتاب الأمور المنهي عنها: باب تحريم الشفاعة في الحدود.

قَالَ الله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النور: ٢].
١٧٧٩- وَعَنْ عَائِشَةَ رضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المرْأَةِ المخْزُومِيَّةِ الَّتي سَرَقَتْ فَقَالُوا: منْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّه ، فَقَالُوا: وَمَنْ يجترئ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ، حِبُّ رسولِ اللَّهِ ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «أَتَشْفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالى؟» ثُمَّ قامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا أَهلَكَ الَّذينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهمْ كَانُوا إِذا سَرَقَ فِيهم الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ، أَقامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتَ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» [١] متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي رِوَاية: فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رسولِ اللَّهِ ، فَقَالَ: «أَتَشْفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدودِ اللَّهِ؟» قَالَ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رسُولَ اللَّهِ. قَالَ: ثُمَّ أمرَ بِتِلْكَ المرْأَةِ، فقُطِعَتْ يَدُهَا.

 

الشيخ:

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

وفي الحديث وفي الآية الكريمة التحذير من الشفاعة في الحدود: حد الزنا، أو حد السرقة، أو حد القذف، أو غير ذلك، يجب أن تقام الحدود لقول الله جل وعلا: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: ٢] والشفاعة فيهم نوع من أخذ الرأفة، لون من العطف عليهم، والواجب إقامة الحدود وعدم الشفاعة في ذلك، أو رحمة المحدود بترك الحد، بل إقامة الحد فيه مصلحة له وللمسلمين، ردع له عما وقع وتكفير لسيئاته وردع لغيره من المجرمين لئلا يقعوا فيما حرم الله.

 

وفي هذا الباب جرت قصة المخزومية التي سرقت في مكة بعد الفتح فأهم قريش شأنها كيف تقطع يدها؟ فكلموا أسامة بن زيد -مولى الرسول وحبه- أن يكلم فيها النبي ، فكلمه أسامة، فغضب وتلون وجهه عليه الصلاة والسلام، وقال: «أَتَشْفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالى، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتَ لَقَطَعْتُ يَدَهَا، إِنَّمَا أَهلَكَ الَّذينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهمْ كَانُوا إِذا سَرَقَ فِيهم الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ، أَقامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ» هكذا كان من قبلنا ممن خالف أمر الله من اليهود وغيرهم لما غيروا غير الله عليهم، فالواجب على هذه الأمة أن تحذر مشابهة من خالف الرسل، وأن تقيم الحدود وتؤدي ما أوجب الله وتحذر ما حرم الله، على الوجه الذي شرعه الله، وأن تتواصى في ذلك، وأن تتناصح في ذلك، وفي هذا بيان خلقه عليه الصلاة والسلام، عند انتهاك الحدود والمحارم يغضب عليه الصلاة والسلام، ويتلون وجهه، ولهذا غضب وقال: «أَتَشْفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» فقال له أسامة: استغفر لي! لأني أخطأت.


أما حد القذف فهو محل نظر، بعض أهل العلم يرى أنه لا يشفع فيه؛ لأنه حد، وبعضهم أهل العلم يرى الشفاعة فيه؛ لأنه حق آدمي له أن يتنازل عنه ويعفو؛ لأن القذف، يعني: قذف إنسان لآخر أنه زنا أو فعل كذا، فهو حق آدمي، والأحوط عدم الشفاعة فيه؛ لأنه حد من الحدود. وفق الله الجميع.

 

[١] صحيح البخاري: (٣٤٧٥)، (١٦٨٨)، مسلم: (١٦٨٨).


الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين

اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم

تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال

تعليقات

عدد التعليقات : 0