فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ
الجَنَائِزِ:
بَابُ الإِذْنِ بِالْجَنَازَةِ.
وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ: عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَلاَ
آذَنْتُمُونِي».
١٢٤٧- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: مَاتَ إِنْسَانٌ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعُودُهُ، فَمَاتَ
بِاللَّيْلِ، فَدَفَنُوهُ لَيْلًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي؟» قَالُوا: كَانَ
اللَّيْلُ فَكَرِهْنَا، وَكَانَتْ ظُلْمَةٌ أَنْ نَشُقَّ عَلَيْكَ. فَأَتَى
قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ.
الشرح:
قوله: (باب الإذن بالجنازة) قال ابن
رشيد: ضبطناه
بكسر الهمزة وسكون المعجمة، وضبطه ابن المرابط بمد الهمزة وكسر الذال
على وزن الفاعل. قلت: والأول أوجه، والمعنى: الإعلام بالجنازة إذا انتهى
أمرها ليصلى عليها. قيل: هذه الترجمة تغاير التي قبلها من جهة أن المراد بها
الإعلام بالنفس وبالغير، قال الزين بن المنير: هي مرتبة على التي قبلها؛ لأن
النعي إعلام من لم يتقدم له علم بالميت، والإذن إعلام من علم بتهيئة أمره، وهو حسن.
قوله: (قال أبو رافع، عن أبي
هريرة قال: قال النبي ﷺ: «ألا كنتم
آذنتموني») هذا طرف من حديث تقدم الكلام عليه مستوفى في "باب كنس المسجد" ومناسبته للترجمة واضحة.
قوله: (حدثني محمد) هو
ابن سلام كما جزم به أبو عليّ بن السكن في روايته
عن الفربري، وأبو معاوية هو الضرير.
قوله: (مات إنسان كان رسول الله ﷺ يعوده) وقع في شرح الشيخ سراج الدين عمر بن
الملقن أنه الميت المذكور في حديث أبي هريرة الذي كان يقم المسجد،
وهو وهم منه لتغاير القصتين، فقد تقدم أن الصحيح في الأول أنها امرأة
وأنها أم محجن، وأما هذا، فهو رجل واسمه طلحة بن البراء بن عمير
البلوي حليف الأنصار، روى حديثه أبو داود مختصرا والطبراني من
طريق عروة بن سعيد الأنصاري عن أبيه، عن حسين بن
وحوح الأنصاري، وهو بمهملتين بوزن جعفر: أن طلحة
بن البراء مرض، فأتاه النبي ﷺ يعوده،
فقال: إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت، فآذنوني به وعجلوا، فلم
يبلغ النبي ﷺ بني سالم بن عوف حتى
توفي، وكان قال لأهله لما دخل الليل: إذا مت فادفنوني، ولا تدعوا رسول الله ﷺ، فإني أخاف عليه يهود أن يصاب بسببي، فأخبر النبي ﷺ حين أصبح، فجاء حتى وقف على قبره، فصف الناس معه،
ثم رفع يديه فقال: اللهم الق طلحة يضحك إليك وتضحك إليه.
قوله: (كان الليل) بالرفع، وكذا قوله:
"وكانت ظلمة"، فكان فيهما تامة، وسيأتي الكلام على حكم الصلاة على القبر
في "باب صفوف الصبيان مع الرجال على الجنازة" مع بقية الكلام على هذا الحديث.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ
اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال