فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
باب الأمر باتباع الجنائز
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ الجَنَائِزِ: بَابُ الأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ.
١٢٣٩- حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَشْعَثِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ
بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
أَمَرَنَا النَّبِيُّ ﷺ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا
عَنْ سَبْعٍ: «أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ،
وَعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ
القَسَمِ، وَرَدِّ السَّلاَمِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَنَهَانَا عَنْ: آنِيَةِ
الفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، وَالحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالقَسِّيِّ،
وَالإِسْتَبْرَقِ».
الشرح:
قوله: (باب الأمر باتباع الجنائز) قال
الزين بن المنير: لم يفصح بحكمه؛ لأن قوله: "أمرنا" أعم من أن يكون
للوجوب أو للندب.
قوله: (عن الأشعث) هو ابن أبي الشعثاء
المحاربي.
قوله: (عن البراء بن عازب) أورده في
المظالم عن سعيد بن الربيع، عن شعبة، عن الأشعث، فقال فيه: "سمعت البراء بن
عازب"، ولمسلم من طريق زهير بن معاوية، عن الأشعث، عن معاوية بن سويد قال:
"دخلت على البراء بن عازب فسمعته يقول"، فذكر الحديث.
قوله: (أمرنا رسول الله ﷺ بسبع، ونهانا عن سبع)، أما المأمورات فسنذكر شرحها
في كتابي الأدب واللباس، والذي يتعلق منها بهذا الباب اتباع الجنائز. وأما
المنهيات، فمحل شرحها كتاب اللباس، وسيأتي الكلام عليها فيه، وسقط من المنهيات في
هذا الباب واحدة سهوا، إما من المصنف، أو من شيخه.
١٢٤٠- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ
شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
يَقُولُ: «حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ:
رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ
الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ».
تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، وَرَوَاهُ سَلاَمَةُ بْنُ رَوْحٍ، عَنْ عُقَيْلٍ
الشرح:
قوله: (حدثنا محمد) كذا في جميع الروايات
غير منسوب، وقال الكلاباذي: هو الذهلي، وعمرو بن أبي سلمة هو
التنيسي، وقد ضعفه ابن معين بسبب أن في حديثه
عن الأوزاعي مناولة وإجازة، لكن بين أحمد بن صالح المصري أنه
كان يقول فيما سمعه: "حدثنا"، ولا يقول ذلك فيما لم يسمعه، وعلى هذا،
فقد عنعن هذا الحديث، فدل على أنه لم يسمعه، والجواب عن البخاري أنه
يعتمد على المناولة، ويحتج بها، وقصارى هذا الحديث أن يكون منها، وقد قواه
بالمتابعة التي ذكرها عقبه، ولم ينفرد به عمرو، ومع ذلك فقد
أخرجه الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم وغيره
عن الأوزاعي، وكأن البخاري اختار طريق عمرو لوقوع
التصريح فيها بالإخبار بين الأوزاعي، والزهري، ومتابعة عبد
الرزاق التي ذكرها وصلها مسلم، وقال في آخره: كان معمر يرسل
هذا الحديث، وأسنده مرة عن ابن المسيب، عن أبي هريرة. وقد وقع لي معلقا
في جزء الذهلي: "قال: أخبرنا عبد الرزاق" فذكر الحديث. وأما
رواية سلامة، وهو بتخفيف اللام، وهو ابن أخي عقيل، فأظنها في
الزهريات للذهلي، وله نسخة عن عمه، عن الزهري، ويقال: إنه كان يرويها من
كتاب.
قوله: «حق المسلم على المسلم خمس» في
رواية مسلم من طريق عبد الرزاق: "خمس تجب للمسلم على المسلم". وله
من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة: "حق
المسلم على المسلم ست"، وزاد: وإذا استنصحك فانصح له. وقد
تبين أن معنى "الحق" هنا الوجوب خلافا لقول ابن بطال: المراد حق الحرمة والصحبة،
والظاهر أن المراد به هنا وجوب الكفاية.
قوله: «رد السلام» يأتي
الكلام على أحكامه في الاستئذان، وعيادة المريض يأتي الكلام عليها في المرضى،
وإجابة الداعي يأتي الكلام عليها في الوليمة، وتشميت العاطس يأتي الكلام عليه في الأدب.
وأما اتباع الجنائز فسيأتي الكلام عليه في "باب فضل اتباع الجنائز" في
وسط كتاب الجنائز، والمقصود هنا إثبات مشروعيته، فلا تكرار.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ
اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال
