فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كتاب السَّهْوِ: بَابُ الإِشَارَةِ فِي الصَّلاَةِ.
قَالَهُ كُرَيْبٌ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
١٢٣٤- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ
سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَلَغَهُ أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، كَانَ
بَيْنَهُمْ شَيْءٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فِي أُنَاسٍ مَعَهُ، فَحُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَحَانَتِ الصَّلاَةُ، فَجَاءَ بِلاَلٌ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ ﷺ قَدْ حُبِسَ، وَقَدْ حَانَتِ
الصَّلاَةُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ،
فَأَقَامَ بِلاَلٌ، وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَكَبَّرَ
لِلنَّاسِ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْشِي
فِي الصُّفُوفِ، حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيقِ،
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ،
فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَفَتَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَأْمُرُهُ: أَنْ يُصَلِّيَ، فَرَفَعَ أَبُو
بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَرَجَعَ القَهْقَرَى
وَرَاءَهُ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَصَلَّى لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ
عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا
لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلاَةِ، أَخَذْتُمْ فِي التَّصْفِيقِ،
إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ، مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ
فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ حِينَ يَقُولُ:
سُبْحَانَ اللَّهِ إِلَّا التَفَتَ، يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ أَنْ
تُصَلِّيَ لِلنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ
بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
الشرح:
قوله: (باب الإشارة في الصلاة) قال ابن
رشيد هذه الترجمة أعم من كونها مرتبةً على استدعاء ذلك، أو غير مرتبة بخلاف
الترجمة التي قبلها فإن الإشارة فيها لزمت من الكلام واستماعه فهي مرتبة.
قوله: (قاله كريب عن أم سلمة) يشير إلى
حديث الباب قبله.
ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث:
أحدها: حديث سهل بن سعد في الإصلاح بين بني عمرو بن عوف، وفيه
إرادة أبي بكر الصلاة بالناس، وشاهد الترجمة.
قوله فيه: (فأخذ الناس في التصفيق) فإنه ﷺ، وإن كان أنكره عليهم لكنه لم يأمرهم بإعادة الصلاة، وحركة اليد بالتصفيق كحركتها بالإشارة، وأخذه من جهة الالتفات والإصغاء إلى كلام الغير؛ لأنه في معنى الإشارة، وأما قوله: "يا أبا بكر، ما منعك أن تصلي بالناس حين أشرت إليك" فليس بمطابق للترجمة؛ لأن إشارته صدرت منه ﷺ قبل أن يحرم بالصلاة كما تقدم في الكلام على حديث سهل مستوفى في أبواب الإمامة، ويحتمل أن يكون فهم من قوله: "قام في الصف" الدخول في الصلاة، لعدوله ﷺ عن الكلام الذي هو أدل من الإشارة، ولما يفهمه السياق من طول مقامه في الصف قبل أن تقع الإشارة المذكورة؛ ولأنه دخل بنية الائتمام بأبي بكر؛ ولأن السُّنَّة الدخول مع الإمام على أي حالة وجده، لقوله ﷺ: "فما أدركتم فصلوا".
١٢٣٥- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ
هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَهِيَ تُصَلِّي قَائِمَةً وَالنَّاسُ قِيَامٌ، فَقُلْتُ:
مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: آيَةٌ؟
فَقَالَتْ بِرَأْسِهَا: أَيْ نَعَمْ.
الشرح:
ثانيها: حديث أسماء في الصلاة في الكسوف، أورده مختصرا جدا، وشاهد الترجمة قولها فيه: "فأشارت برأسها". وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في الكسوف.
١٢٣٦- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ
أَنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا،
فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا
رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا».
الشرح:
ثالثها: حديث عائشة في صلاة النبي ﷺ في بيته جالسا، وشاهدها قوله فيه: "فأشار
إليهم أن اجلسوا". وقد
تقدم مستوفى في أبواب الإمامة أيضا، وفيه رد على من منع الإشارة بالسلام وجوز مطلق
الإشارة؛ لأنه لا فرق بين أن يشير آمرا بالجلوس أو يشير مخبرا برد السلام. والله
أعلم.
(خاتمة): اشتملت أبواب السهو من الأحاديث
المرفوعة على تسعة عشر حديثا، منها اثنان معلقان بمقتضى حديث كريب عن أم سلمة، وابن
عباس، وعبد الرحمن بن أزهر، والمسور بن مخرمة، أربعة أحاديث لقولهم فيه،
سوى أم سلمة: "بلغنا أن رسول الله ﷺ
نهى عنها". وجميعها مكررة فيه وفيما مضى سواه، إلا أنه تكرر منه في المواقيت
طرف مختصر عن أم سلمة، وسوى حديث أبي هريرة:" فليسجد
سجدتين وهو جالس" وقد وافقه مسلم على تخريجها جميعها، وفيه من
الآثار عن الصحابة وغيرهم خمسة آثار: منها أثر عروة الموصول في آخر الباب،
ومنها أثر عمر في ضربه على الصلاة بعد العصر. والله الهادي إلى الصواب،
ومنه المبدأ وإليه المآب.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ
اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال
