فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
فتح الباري شرح صحيح البخاري: أَبْوَابُ العَمَلِ فِي الصَّلاَةِ: بَابُ إِذَا دَعَتِ الأُمُّ وَلَدَهَا فِي الصَّلاَةِ.
١٢٠٦- وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي
جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: قَالَ
أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَادَتِ امْرَأَةٌ
ابْنَهَا وَهُوَ فِي صَوْمَعَةٍ، قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي
وَصَلاَتِي، قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلاَتِي،
قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلاَتِي، قَالَتْ: اللَّهُمَّ
لاَ يَمُوتُ جُرَيْجٌ حَتَّى يَنْظُرَ فِي وُجُوهِ المَيَامِيسِ، وَكَانَتْ
تَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ رَاعِيَةٌ تَرْعَى الغَنَمَ، فَوَلَدَتْ، فَقِيلَ
لَهَا: مِمَّنْ هَذَا الوَلَدُ؟ قَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ، نَزَلَ مِنْ
صَوْمَعَتِهِ، قَالَ جُرَيْجٌ: أَيْنَ هَذِهِ الَّتِي تَزْعُمُ أَنَّ وَلَدَهَا
لِي؟ قَالَ: يَا بَابُوسُ، مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: رَاعِي الغَنَمِ».
الشرح:
قوله: (باب إذا دعت الأم ولدها في
الصلاة) أي: هل تجب إجابتها أو لا، وإذا وجبت هل تبطل الصلاة أو لا؟ وفي المسألتين
خلاف، ولذلك حذف المصنف جواب الشرط.
قوله: (وقال الليث) وصله الإسماعيلي من
طريق عاصم بن عليّ أحد شيوخ البخاري عن الليث مطولًا و(جعفر) هو ابن ربيعة المصري
و(جريج) بجيمين مصغر.
قوله: (في وجه المياميس) في رواية أبي ذر
"وجوه" بصيغة
الجمع و(المياميس) جمع "مومسة" بكسر الميم، وهي الزانية، قال ابن الجوزي:
إثبات الياء فيه غلط، والصواب حذفها وخرج على إشباع الكسرة وحكى غيره جوازه.
قال ابن بطال: سبب دعاء أم جريج على
ولدها أن الكلام في الصلاة كان في شرعهم مباحًا، فلما آثر استمراره في صلاته
ومناجاته على إجابتها دعت عليه لتأخيره حقها، انتهى. والذي يظهر من ترديده في قوله
(أمي وصلاتي) أن الكلام عنده يقطع الصلاة؛ ولذلك لم يجبها. وقد روى الحسن بن سفيان
وغيره من طريق الليث عن يزيد بن حوشب عن أبيه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لو كان جريج عالمًا لعلم أن إجابته أمه
أولى من عبادته ربه» ويزيد هذا مجهول، وحوشب بمهملة ثم معجمة وزن جعفر، ووهم
الدمياطي فزعم أنه ذو ظليم والصواب أنه غيره؛ لأن ذا ظليم لم يسمع من النبي ﷺ، وهذا وقع التصريح بسماعه.
وقوله فيه: (يا بابوس) بموحدتين بينهما
ألف ساكنة والثانية مضمومة وآخره مهملة، قال القزاز: هو الصغير، وقال ابن بطال:
الرضيع، وهو بوزن جاسوس واختلف هل هو عربي أو معرب، وأغرب الداودي الشارح
فقال: هو اسم ذلك الولد بعينه، وفيه نظر، وقد قال الشاعر من البسيط:
حنت قلوصي ... إلى بابوسها جزعًا
وقال الكرماني: إن صحت الرواية بتنوين
السين تكون كنيةً له ويكون معناه يا أبا الشدة، وسيأتي بقية الكلام عليه في "ذكر
بني إسرائيل".
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ
اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال
