باب دعاء النبي صلى الله عليه الصلاة أجعلها سنين كسني يوسف
فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني
فتح الباري شرح صحيح البخاري: أَبْوَابُ
الِاسْتِسْقَاءِ، بَابُ: دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ.
١٠٠٦- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا
مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ
إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ،
اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ
الوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ
اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ»،
وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا
اللَّهُ» قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: عَنْ أَبِيهِ، هَذَا كُلُّهُ فِي
الصُّبْحِ.
الشرح:
قوله: (باب دعاء النبي ﷺ: اجعلها سنين كسني يوسف) أورد فيه حديث أبي
هريرة في الدعاء في القنوت للمؤمنين، والدعاء على الكافرين، وفيه معنى الترجمة.
ووجه إدخاله في أبواب الاستسقاء التنبيه على أنه كما شرع الدعاء بالاستسقاء
للمؤمنين كذلك شرع الدعاء بالقحط على الكافرين لما فيه من نفع الفريقين بإضعاف عدو
المؤمنين ورقة قلوبهم ليذلوا للمؤمنين. وقد ظهر من ثمرة ذلك التجاؤهم إلى النبي ﷺ أن يدعو لهم برفع القحط، كما في الحديث الثاني.
ويمكن أن يقال: إن المراد أن مشروعية الدعاء على الكافرين في الصلاة تقتضي مشروعية
الدعاء للمؤمنين فيها، فثبت بذلك صلاة الاستسقاء خلافا لمن أنكرها. والمراد
بسني يوسف ما وقع في زمانه -عليه السلام- من القحط في السنين السبع كما
وقع في التنزيل، وقد بين ذلك في الحديث الثاني حيث قال" سبعا
كسبع يوسف" وأضيفت
إليه لكونه الذي أنذر بها، أو لكونه الذي قام بأمور الناس فيها.
قوله: (حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن) هو
الحزامي بالمهملة والزاي لا المخزومي، وهما مدنيان من طبقة واحدة لكن
الحزامي معروف بالرواية عن أبي الزناد دون المخزومي، وقد
بينه ابن معين والنسائي، لكنه لم ينفرد بهذا الحديث فسيأتي في الجهاد من
رواية الثوري، وفي أحاديث الأنبياء من رواية شعيب،
وأخرجه الإسماعيلي من رواية موسى بن عقبة كلهم عن أبي
الزناد.
قوله: «اللهم اجعلها سنين» في الرواية
الماضية في "باب يهوي بالتكبير من صفة الصلاة ": «اللهم اجعلها عليهم» والضمير
في قوله: "اجعلها" يعود على المدة التي تقع فيها الشدة المعبر عنها
بالوطأة، وزاد بعد قوله فيها كسني يوسف"
وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون
له" وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في تفسير آل عمران إن شاء الله
تعالى.
قوله: (وأن النبي ﷺ قال: «غفار غفر الله لها إلخ») هذا حديث آخر، وهو
عند المصنف بالإسناد المذكور وكأنه سمعه هكذا فأورده كما سمعه. وقد
أخرجه أحمد عن قتيبة كما أخرجه البخاري، ويحتمل أن يكون
له تعلق بالترجمة من جهة أن الدعاء على المشركين بالقحط ينبغي أن يخص
بمن كان محاربا دون من كان مسالما.
قوله: «غفار غفر الله لها» فيه الدعاء
بما يشتق من الاسم كأن يقول لأحمد: أحمد الله عاقبتك، ولعليّ: أعلاك
الله. وهو من جناس الاشتقاق، ولا يختص بالدعاء بل يأتي مثله في الخبر، ومنه قوله
تعالى:
{وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ} [النمل: ٤٤]، وسيأتي
في المغازي حديث" عصية
عصت الله ورسوله" وإنما
اختصت القبيلتان بهذا الدعاء؛ لأن غفارا أسلموا قديما، وأسلم سالمها
النبي ﷺ كما سيأتي بيان ذلك في أوائل المناقب
إن شاء الله تعالى.
قوله: (قال ابن أبي الزناد عن أبيه:
هذا كله في الصبح) يعني: أن عبد الرحمن بن أبي الزناد روى هذا الحديث عن
أبيه بهذا الإسناد، فبين أن الدعاء المذكور كان في الصبح، وقد تقدم بعض بيان
الاختلاف في ذلك في أثناء صفة الصلاة.
١٠٠٧- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ
مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا، قَالَ: «اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ»،
فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الجُلُودَ
وَالمَيْتَةَ وَالجِيَفَ، وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرَى
الدُّخَانَ مِنَ الجُوعِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ،
إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ
هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}
[الدخان: ١٠] إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ
يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى، إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: ١٦]
فَالْبَطْشَةُ: يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ مَضَتِ الدُّخَانُ وَالبَطْشَةُ
وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ.
الشرح:
قوله: (كنا عند عبد الله) يعني:
ابن مسعود، وسيأتي في تفسير الدخان سبب تحديث عبد الله بن مسعود بهذا
الحديث.
قوله: (لما رأى من الناس إدبارا) أي: من الإسلام،
وسيأتي في تفسير الدخان أن قريشا لما أبطئوا عن الإسلام.
قوله: (فأخذتهم سنة) بفتح المهملة بعدها
نون خفيفة، أي: أصابهم القحط، وقوله: "حصت" بفتح الحاء والصاد المهملتين،
أي: استأصلت النبات حتى خلت الأرض منه.
قوله: (حتى أكلنا) في
رواية المستملي والحموي" حتى
أكلوا" وهو الوجه، وكذا قوله "ينظر أحدكم"، عند الأكثر "ينظر
أحدهم" وهو الصواب. وسيأتي بقية الكلام عليه بعد تسعة أبواب.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: