Top Ad unit 728 × 90

أخبار المدونة

احاديث نبوية شريفة

باب المشي إلى الجمعة

فتح الباري شرح صحيح البخاري

ابن حجر العسقلاني - أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني

باب – المشي – إلى - الجمعة

باب المشي إلى الجمعة

 

فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ الجُمُعَةِ، بَابُ المَشْيِ إِلَى الجُمُعَةِ.

وَقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩]، وَمَنْ قَالَ: السَّعْيُ العَمَلُ وَالذَّهَابُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: ١٩]، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَحْرُمُ البَيْعُ حِينَئِذٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ: تَحْرُمُ الصِّنَاعَاتُ كُلُّهَا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: إِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ.

٩٠٧- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ، قَالَ: أَدْرَكَنِي أَبُو عَبْسٍ وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَى الجُمُعَةِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ: «مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ».

 

الشرح:

قوله: (باب المشي إلى الجمعة) وقول الله جل ذكره: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} ومن قال: السعي العمل والذهاب لقوله تعالى: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا}.

قال ابن المنير في الحاشية: لما قابل الله بين الأمر بالسعي والنهي عن البيع دل أن المراد بالسعي العمل الذي هو الطاعة؛ لأنه هو الذي يقابل بسعي الدنيا كالبيع والصناعة. والحاصل أن المأمور به سعي الآخرة، والمنهي عنه سعي الدنيا. وفي الموطأ عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن هذه الآية فقال: كان عمر يقرؤها "إذا نودي للصلاة فامضوا" وكأنه فسر السعي بالذهاب، قال مالك: وإنما السعي العمل لقول الله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ} [البقرة: ٢٠٥]، وقال: {وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ} [عبس: ٨] قال مالك: وليس السعي الاشتداد، اهـ. وقراءة عمر المذكورة سيأتي الكلام عليها في التفسير. وقد أورد المصنف في الباب حديث "لا تأتوها وأنتم تسعون" إشارة منه إلى أن السعي المأمور به في الآية غير السعي المنهي عنه في الحديث، والحجة فيه أن السعي في الآية فسر بالمضي، والسعي في الحديث فسر بالعدو. لمقابلته بالمشي حيث قال: "لا تأتوها تسعون وأتوها تمشون".


قوله: (وقال ابن عباس يحرم البيع حينئذ) أي: إذا نودي بالصلاة، وهذا الأثر ذكره ابن حزم من طريق عكرمة عن ابن عباس بلفظلا يصلح البيع يوم الجمعة حين ينادى للصلاة، فإذا قضيت الصلاة فاشتر وبع" ورواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا، وإلى القول بالتحريم ذهب الجمهور، وابتداؤه عندهم من حين الأذان بين يدي الإمام؛ لأنه الذي كان في عهد النبي كما سيأتي قريبا. وروى عمر بن شبة في (أخبار المدينة) من طريق مكحول أن النداء كان على عهد رسول الله يؤذن يوم الجمعة مؤذن واحد حين يخرج الإمام، وذلك النداء الذي يحرم عنده البيع، وهو مرسل يعتضد بشواهد تأتي قريبا. وأما الأذان الذي عند الزوال فيجوز عندهم البيع فيه مع الكراهة، وعن الحنفية يكره مطلقا ولا يحرم، وهل يصح البيع مع القول بالتحريم؟ قولان مبنيان على أن النهي هل يقتضي الفساد مطلقا أو لا؟


قوله: (وقال عطاء تحرم الصناعات كلها) وصله عبد بن حميد في تفسيره بلفظإذا نودي بالأذان حرم اللهو والبيع والصناعات كلها والرقاد وأن يأتي الرجل أهله وأن يكتب كتابا" وبهذا قال الجمهور أيضا.


قوله: (وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري إلخ) لم أره من رواية إبراهيم، وقد ذكره ابن المنذر عن الزهري وقال: إنه اختلف عليه فيه فقيل عنه هكذا، وقيل عنه مثل قول الجماعة إنه لا جمعة على مسافر، كذا رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري، قال ابن المنذر: وهو كالإجماع من أهل العلم على ذلك؛ لأن الزهري اختلف عليه فيه، اهـ. ويمكن حمل كلام الزهري على حالين، فحيث قال "لا جمعة على مسافر" أراد على طريق الوجوب، وحيث قال "فعليه أن يشهد" أراد على طريق الاستحباب.
ويمكن أن تحمل رواية إبراهيم بن سعد هذه على صورة مخصوصة، وهو إذا اتفق حضوره في موضع تقام فيه الجمعة فسمع النداء لها، لا أنها تلزم المسافر مطلقا حتى يحرم عليه السفر قبل الزوال من البلد الذي يدخلها مجتازا مثلا، وكأن ذلك رجح عند البخاري، ويتأيد عنده بعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] فلم يخص مقيما من مسافر، وأما ما احتج به ابن المنذر على سقوط الجمعة عن المسافر بكونه صلّى الظهر والعصر جميعا بعرفة وكان يوم جمعة فدل ذلك من فعله على أنه لا جمعة على مسافر فهو عمل صحيح، إلا أنه لا يدفع الصورة التي ذكرتها. وقال الزين بن المنير: قرر البخاري في هذه الترجمة إثبات المشي إلى الجمعة مع معرفته بقول من فسرها بالذهاب الذي يتناول المشي والركوب، وكأنه حمل الأمر بالسكينة والوقار على عمومه في الصلوات كلها فتدخل الجمعة كما هو مقتضى حديث أبي هريرة، وأما حديث أبي قتادة فيؤخذ من قولهوعليكم السكينة" فإنه يقتضي عدم الإسراع في حال السعي إلى الصلاة أيضا.


قوله: (حدثني علي بن عبد الله) هو ابن المديني.


قوله: (يزيد) بالتحتانية والزاي، و (عباية) بفتح المهملة بعدها موحدة وهو ابن رفاعة بن رافع بن خديج.


قوله: (أدركني أبو عبس) بفتح المهملة وسكون الموحدة، وهو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة واسمه عبد الرحمن على الصحيح، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد.


قوله: (وأنا أذهب) كذا وقع عند البخاري أن القصة وقعت لعباية مع أبي عبس، وعند الإسماعيلي من رواية علي بن بحر وغيره عن الوليد بن مسلم أن القصة وقعت ليزيد بن أبي مريم مع عباية، وكذا أخرجه النسائي عن الحسين بن حريث عن الوليد ولفظه "حدثني يزيد قال: لحقني عباية بن رفاعة وأنا ماش إلى الجمعة" زاد الإسماعيلي في روايته "وهو راكب، فقال: احتسب خطاك هذه"، وفي رواية النسائي: "فقال أبشر فإن خطاك هذه في سبيل الله، فإني سمعت أبا عبس بن جبر" فذكر الحديث، فإن كان محفوظا احتمل أن تكون القصة وقعت لكل منهما، وسيأتي الكلام على المتن في كتاب الجهاد، وأورده هنا لعموم قوله "في سبيل الله" فدخلت فيه الجمعة، ولكون راوي الحديث استدل به على ذلك. وقال ابن المنير في الحاشية: وجه دخول حديث أبي عبس في الترجمة من قوله "أدركني أبو عبس"؛ لأنه لو كان يعدو لما احتمل وقت المحادثة لتعذرها مع الجري؛ ولأن أبا عبس جعل حكم السعي إلى الجمعة حكم الجهاد.
وليس العدو من مطالب الجهاد فكذلك الجمعة، انتهى. وحديث أبي هريرة تقدم الكلام عليه في أواخر أبواب الأذان، وقد سبق في أول هذا الباب توجيه إيراده هنا.

 

٩٠٨- حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ: الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ، عَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا».

٩٠٩- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ لاَ أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «لاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ».

 

الشرح:

قوله: (عن عبد الله بن أبي قتادة قال أبو عبد الله: لا أعلمه إلا عن أبيه) انتهىأبو عبد الله هذا هو المصنف. وقع قوله "قال أبو عبد الله" في رواية المستملي وحده، وكأنه وقع عنده توقف في وصله لكونه كتبه من حفظه أو لغير ذلك، وهو في الأصل موصول لا ريب فيه، فقد أخرجه الإسماعيلي عن ابن ناجية عن أبي حفص- وهو عمرو بن عليّ شيخ البخاري فيه- فقال: "عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه" ولم يشك، وأغرب الكرماني فقال: إن هذا الإسناد منقطع وإن حكم البخاري بكونه موصولا؛ لأن شيخه لم يروه إلا منقطعا، انتهى.


وقد تقدم في أواخر الأذان أن البخاري علق هذه الطريق من جهة علي بن المبارك ولم يتعرض للشك الذي هنا، وتقدم الكلام على المتن أيضا، وموضع الحاجة منه هنا قوله "وعليكم السكينة" قال ابن رشيد: والنكتة في النهي عن ذلك لئلا يكون مقامهم سببا لإسراعه في الدخول إلى الصلاة فينافي مقصوده من هيئة الوقار، قال: وكأن البخاري استشعر إيراد الفرق بين الساعي إلى الجمعة وغيرها بأن السعي إلى الصلاة غير الجمعة منهي لأجل ما يلحق الساعي من التعب وضيق النفس فيدخل في الصلاة وهو منبهر فينافي ذلك خشوعه، وهذا بخلاف الساعي إلى الجمعة فإنه في العادة يحضر قبل إقامة الصلاة فلا تقام حتى يستريح مما يلحقه من الانبهار وغيره، وكأنه استشعر هذا الفرق فأخذ يستدل على أن كل ما آل إلى إذهاب الوقار منع منه، فاشتركت الجمعة مع غيرها في ذلك، والله أعلم.


الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين

اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم

تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال

باب المشي إلى الجمعة Reviewed by احمد خليل on 8:35:00 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.