باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة
فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ
الجُمُعَةِ، بَابُ إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ يَوْمَ الجُمُعَةِ.
٩٠٦- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي
بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ هُوَ خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ
بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ
إِذَا اشْتَدَّ البَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلاَةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ أَبْرَدَ
بِالصَّلاَةِ، يَعْنِي الجُمُعَةَ.
قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ:
أَخْبَرَنَا أَبُو خَلْدَةَ، فَقَالَ: بِالصَّلاَةِ وَلَمْ يَذْكُرِ الجُمُعَةَ،
وَقَالَ بِشْرُ بْنُ ثَابِتٍ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا
أَمِيرٌ الجُمُعَةَ، ثُمَّ قَالَ لِأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَيْفَ كَانَ
النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي الظُّهْرَ؟
الشرح:
قوله: (باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة)
لما اختلف ظاهر النقل عن أنس وتقرر أن طريق الجمع أن يحمل الأمر على
اختلاف الحال بين الظهر والجمعة كما قدمناه، جاء عن أنس حديث آخر يوهم
خلاف ذلك فترجم المصنف هذه الترجمة لأجله.
قوله: (حدثنا أبو خلدة) بفتح
المعجمة وسكون اللام، والإسناد كله بصريون.
قوله: (بكر بالصلاة) أي: صلاها في أول
وقتها.
قوله: (وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة يعني
الجمعة) لم يجزم المصنف بحكم الترجمة للاحتمال الواقع في قوله "يعني
الجمعة" لاحتمال أن يكون من كلام التابعي أو من دونه، وهو ظن ممن قاله،
والتصريح عن أنس في رواية حميد الماضية أنه كان يبكر بها
مطلقا من غير تفصيل، ويؤيده الرواية المعلقة الثانية فإن فيها البيان بأن قوله
"يعني الجمعة" إنما أخذه قائله مما فهمه من التسوية بين الجمعة والظهر
عند أنس حيث استدل لما سئل عن الجمعة بقوله "كان يصلي الظهر"،
وأوضح من ذلك رواية الإسماعيلي من طريق أخرى عن حرمي ولفظه
"سمعت أنسا وناداه يزيد
الضبي يوم جمعة: يا أبا حمزة قد شهدت الصلاة مع رسول الله ﷺ، فكيف كان يصلي الجمعة؟" فذكره ولم يقل بعده
يعني الجمعة.
قوله: (وقال يونس بن بكير) وصله
المصنف في (الأدب المفرد) ولفظه "سمعت أنس بن مالك وهو
مع الحكم أمير البصرة على السرير يقول: كان النبي ﷺ إذا كان الحر أبرد بالصلاة، وإذا كان البرد بكر
بالصلاة" وأخرجه الإسماعيلي من
وجه آخر عن يونس وزاد "يعني الظهر". والحكم المذكور
هو ابن أبي عقيل الثقفي كان نائبا عن ابن عمه الحجاج بن يوسف، وكان
على طريقة ابن عمه في تطويل الخطبة يوم الجمعة حتى يكاد الوقت أن يخرج.
وقد أورد أبو يعلى قصة يزيد الضبي المذكور وإنكاره على الحكم
هذا الصنيع
واستشهاده بأنس واعتذار أنس عن الحكم بأنه أخر للإبراد،
فساقها مطولة في نحو ورقة. وعرف بهذا أن الإبراد بالجمعة عند أنس إنما
هو بالقياس على الظهر لا بالنص، لكن أكثر الأحاديث تدل على التفرقة بينهما.
قوله: (وقال بشر بن ثابت) وصله الإسماعيلي والبيهقي بلفظ" كان إذا كان
الشتاء بكر بالظهر، وإذا كان الصيف أبرد بها" وعرف من طريق (الأدب
المفرد) تسمية الأمير المبهم في هذه الرواية المعلقة، ومن
رواية الإسماعيلي وغيره سبب تحديث أنس بن مالك بذلك حتى
سمعه أبو خلدة. وقال الزين
بن المنير: نحا البخاري إلى مشروعية الإبراد بالجمعة ولم يبت
الحكم بذلك؛ لأن قوله "يعني الجمعة" يحتمل أن يكون قول التابعي مما
فهمه، ويحتمل أن يكون من نقله، فرجح عنده إلحاقها بالظهر؛ لأنها إما ظهر
وزيادة أو بدل عن الظهر، وأيد ذلك قول أمير البصرة لأنس يوم
الجمعة "كيف كان النبي ﷺ يصلي
الظهر" وجواب أنس من غير إنكار ذلك، وقال أيضا: إذا تقرر أن
الإبراد يشرع في الجمعة أخذ منه أنها لا تشرع قبل الزوال؛ لأنه لو شرع لما كان
اشتداد الحر سببا لتأخيرها، بل كان يستغنى عنه بتعجيلها قبل الزوال. واستدل
به ابن بطال على أن وقت الجمعة وقت الظهر؛
لأن أنسا سوى بينهما في جوابه، خلافا لمن أجاز الجمعة قبل الزوال، وقد
تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبله. وفيه إزالة التشويش عن المصلي بكل طريق
محافظة على الخشوع؛ لأن ذلك هو السبب في مراعاة الإبراد في الحر دون البرد.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: