باب كتابة العلم الجزء زقم ١

باب كتابة العلم الجزء زقم ١
المؤلف احمد خليل
تاريخ النشر
آخر تحديث

فتح الباري لابن حجر شرح صحيح البخاري 

باب – كتابة – العلم الجزء – زقم - ١
باب كتابة العلم


فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ العِلْمِ بَابٌ: كِتَابَةِ العِلْمِ.

١١١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: "لاَ، إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: العَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ".

 

الشرح:

قوله: (باب كتابة العلم) طريقة البخاري في الأحكام التي يقع فيها الاختلاف ألا يجزم فيها بشيء بل يوردها على الاحتمال، وهذه الترجمة من ذلك؛ لأن السلف اختلفوا في ذلك عملًا، وتركًا وإن كان الأمر استقر والإجماع انعقد على جواز كتابة العلم بل على استحبابه بل لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم.

 

قوله: (حدثنا ابن سلام) كذا للأصيلي واسمه محمد وقد صرح به أبو ذر وغيره.

 

قوله: (عن سفيان) هو الثوري؛ لأن وكيعًا مشهور بالرواية عنه، وقال أبو مسعود الدمشقي في (الأطراف): يقال إنه ابن عيينة.

قلت: لو كان ابن عيينة لنسبه؛ لأن القاعدة في كل من روى عن متفقي الاسم أن يحمل من أهمل نسبته على من يكون له به خصوصية من إكثار ونحوه كما قدمناه قبل هذا وهكذا نقول هنا؛ لأن وكيعًا قليل الرواية عن ابن عيينة بخلاف الثوري.


قوله: (عن مطرف) هو بفتح الطاء المهملة وكسر الراء ابن طريف بطاء مهملة أيضًا.

 

قوله: (عن الشعبي) وللمصنف في (الديات): سمعت الشعبي.

 

قوله: (عن أبي جحيفة) هو وهب السوائي وقد صرح بذلك الإسماعيلي في روايته وللمصنف في (الديات): "سمعت أبا جحيفة" والإسناد كله كوفيون إلا شيخ البخاري وقد دخل الكوفة وهو من رواية صحابي عن صحابي.


قوله: (قلت: لعلي) هو ابن أبي طالب.

 

قوله: (هل عندكم) الخطاب لعلي والجمع إما لإرادته مع بقية أهل البيت أو للتعظيم.

 

قوله: (كتاب) أي: مكتوب أخذتموه عن رسول الله مما أوحي إليه، ويدل على ذلك رواية المصنف في (الجهاد): "هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله" وله في (الديات): "هل عندكم شيء مما ليس في القرآن" وفي (مسند إسحاق ابن راهويه) عن جرير عن مطرف: "هل علمت شيئًا من الوحي" وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك؛ لأن جماعةً من الشيعة كانوا يزعمون أن عند أهل البيت -لا سيما علي- أشياء من الوحي خصهم النبي بها لم يطلع غيرهم عليها، وقد سأل عليا عن هذه المسألة أيضًا قيس بن عباد وهو بضم المهملة وتخفيف الموحدة، والأشتر النخعي وحديثهما في سنن النسائي.

 

قوله: (قال: لا) زاد المصنف في (الجهاد): "لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة".


قوله: (إلا كتاب الله) هو بالرفع، وقال ابن المنير: فيه دليل على أنه كان عنده أشياء مكتوبة من الفقه المستنبط من كتاب الله وهي المراد بقوله: "أو فهم أعطيه رجل"؛ لأنه ذكره بالرفع فلو كان الاستثناء من غير الجنس لكان منصوبًا كذا قال، والظاهر أن الاستثناء فيه منقطع والمراد بذكر الفهم إثبات إمكان الزيادة على ما في الكتاب وقد رواه المصنف في الديات بلفظ: "ما عندنا إلا ما في القرآن إلا فهمًا يعطى رجل في كتابه" فالاستثناء الأول مفرغ والثاني منقطع معناه لكن إن أعطى الله رجلًا فهمًا في كتابه فهو يقدر على الاستنباط فتحصل عنده الزيادة بذلك الاعتبار، وقد روى أحمد بإسناد حسن من طريق طارق بن شهاب قال: شهدت عليا على المنبر وهو يقول: "والله ما عندنا كتاب نقرؤه عليكم إلا كتاب الله وهذه الصحيفة" وهو يؤيد ما قلناه أنه لم يرد بالفهم شيئًا مكتوبًا.


قوله: (الصحيفة) أي: الورقة المكتوبة، وللنسائي من طريق الأشتر وغيره: "فأخرج كتابًا من قراب سيفه".

 

قوله: (العقل) أي: الدية وإنما سميت به؛ لأنهم كانوا يعطون فيها الإبل ويربطونها بفناء دار المقتول بالعقال وهو الحبل ووقع في رواية ابن ماجه بدل (العقل) (الديات) والمراد أحكامها ومقاديرها وأصنافها.


قوله: (وفكاك) هو بكسر الفاء وفتحها، وقال القزاز: الفتح أفصح، والمعنى أن فيها حكم تخليص الأسير من يد العدو والترغيب في ذلك.

 

قوله: (ولا يقتل) بضم اللام، وللكشميهني: "والا يقتل" بفتح اللام وعطفت الجملة على المفرد؛ لأن التقدير فيها -أي: الصحيفة- حكم العقل، وحكم تحريم قتل المسلم بالكافر وسيأتي الكلام على مسألة قتل المسلم بالكافر في (كتاب القصاص والديات) إن شاء الله تعالى، ووقع للمصنف ومسلم من طريق يزيد التيمي عن علي قال: "ما عندنا شيء نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة فإذا فيها المدينة حرم" الحديث. ولمسلم عن أبي الطفيل عن علي: "ما خصنا رسول الله بشيء لم يعم به الناس كافةً إلا ما في قراب سيفي هذا" وأخرج صحيفةً مكتوبةً فيها «لعن الله من ذبح لغير الله» الحديث. وللنسائي من طريق الأشتر وغيره عن علي فإذا فيها: «المؤمنون تكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم» الحديث. ولأحمد من طريق طارق بن شهاب: "فيها فرائض الصدقة".


والجمع بين هذه الأحاديث أن الصحيفة كانت واحدةً وكان جميع ذلك مكتوبًا فيها فنقل كل من الرواة عنه ما حفظه والله أعلم، وقد بين ذلك قتادة في روايته لهذا الحديث عن أبي حسان عن علي وبين أيضًا السبب في سؤالهم لعلي عن ذلك أخرجه أحمد والبيهقي في (الدلائل) من طريق أبي حسان: أن عليا كان يأمر بالأمر فيقال قد فعلناه فيقول: صدق الله ورسوله، فقال له الأشتر: هذا الذي تقول أهو شيء عهده إليك رسول الله خاصةً دون الناس فذكره بطوله.


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

تعليقات

عدد التعليقات : 0