Top Ad unit 728 × 90

أخبار المدونة

احاديث نبوية شريفة

باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام

شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

باب – تحريم – الهجران – بين – المسلمين – فوق – ثلاثة – أيام

كتاب الأمور المنهي عنها: باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام


أحاديث رياض الصالحين: باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام إِلَّا لبدعةٍ في المَهجور أَوْ تظاهرٍ بفسقٍ أَوْ نحو ذَلِكَ

قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: ١٠]، وقال تَعَالَى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢].

١٥٩٩ - وعنْ أنَسٍ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّهِ : «لَا تَقَاطَعُوا، وَلا تَدابروا، وَلا تباغَضُوا، وَلا تحاسَدُوا، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا، وَلا يَحِلُّ لمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فَوقَ ثَلاثٍ» [١] متفقٌ عَلَيْهِ.

١٦٠٠ - وعنْ أَبي أيوبَ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- أنَّ رسُول اللَّه قَال: «لا يَحِلُّ لمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ، يلتَقِيانِ، فيُعْرِضُ هَذَا، ويُعْرِضُ هَذَا، وخَيْرُهُما الَّذِي يَبْدأ بالسَّلامِ» [٢] متفقٌ عَلَيْهِ.

١٦٠١ - وعنْ أبي هُريرةَ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَال: قَال رسُولُ اللَّه : «تُعْرَضُ الأعْمالُ في كُلِّ اثْنَيْنِ وخَميس، فيَغْفِر اللَّه لِكُلِّ أمْرئٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا امْرَءًا كَانَتْ بيْنَهُ وبيْنَ أخِيهِ شَحْناءُ، فيقُولُ: اتْرُكُوا هذَينِ حتَّى يَصْطلِحا» رواه مسلم [٣].

١٦٠٢ - وعَنْ جابرٍ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَال: سمِعْتُ رسُول اللَّه يقُولُ: «إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصلُّون فِي جَزيرةِ العربِ، ولكِن في التَّحْرِيشِ بَيْنهم» [٤] رواه مسلم.

«التَّحْرِيشِ» الإفساد وتغيير قلوبهم وتقاطعهم.

١٦٠٣ - وعنْ أَبي هريرة -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّه : «لا يحِلُّ لمسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاه فوْقَ ثَلاثٍ، فمَنْ هَجر فَوْقَ ثلاثٍ فَمَاتَ دخَل النَار» [٥] رواهُ أَبُو داود بإسْنادٍ على شرْطِ البخاري.

١٦٠٤ - وعَنْ أَبي خرَاشٍ حدْرَدِ ابنِ أَبي حَدْردٍ الأَسْلمي، ويُقَالُ: السُّلمي، الصَّحابِي -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- أنَّهُ سَمِعَ النَّبيَّ يقُولُ: «مَنْ هَجر أخاهُ سَنَةً فَهُو كَسَفْكِ دمِهِ» [٦] رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيحٍ.

١٦٠٥ - وعنْ أبي هُرَيْرةَ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- أنَّ رسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لا يَحِلُّ لمُؤْمِنٍ أنْ يهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلاثٍ، فَإنْ مرَّتْ بِهِ ثَلاثٌ فَلْيَلْقَهُ ولْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإن رَدَّ عليهِ السَّلام فقَدِ اشْتَرَكَا في الأَجْرِ، وإنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ باءَ بالإثمِ، وخَرَجَ المُسَلِّمُ مِن الهِجْرةِ» [٧] رواهُ أَبُو داود بإسنادٍ حسنٍ، قَالَ أَبُو داود: إِذَا كَانَتِ الهِجْرَةُ للَّهِ تَعالى فَلَيْس مِنْ هذَا في شيءٍ.

 

الشيخ:

الحمد لله، وصلَّ الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فهذه الأحاديث كلها تتعلق بالتهاجر، وهذه كلها وما في معناها تدل على تحريم التهاجر والتقاطع بين المسلمين، فإنَّ هذا يُسبب شرًّا عظيمًا، وفسادًا كبيرًا، وتعطيل حقوق الله، وظهور المعاصي والشرور، ولهذا قال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: ١٠]، فالمؤمنون إخوة يجب الإصلاح بينهم حتى لا يقع التهاجر والتشاحن، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: ٧١]، وقال جل وعلا: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢].

 

فالواجب على أهل الإيمان أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يدعو التعاون على الإثم والعدوان، ومن التعاون على الإثم والعدوان: التهاجر والشَّحناء والتباغض، ولهذا قال «لا تحاسَدُوا، ولا تناجَشُوا، وَلا تباغَضُوا، ولا تَدابروا، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا» هذا الواجب على أهل الإسلام، «كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ، دمُهُ، ومالُهُ، وعِرضُهُ» [٨]، ويقول : «لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ، يلتقيان، فيُعْرِض هذا، ويُعْرِض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»، وفي الحديث الأخير: «إذا بدأ أحدُهما بالسلام فردَّ عليه اشتركا في الأجر، فإن لم يردَّ عليه سلم المُسَلِّمُ من الإثم، وباء الذي لم يرد بالإثم» والمسلم يسلم.

 

وفي الحديث الآخر يقول : تُرْفَع الأعمالُ إلى الله»، وفي لفظٍ: تُعْرَض الأعمال على الله كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكلِّ مسلمٍ لا يُشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول الله: دعوا هذين حتى يصطلحا، فهذا يُفيد أن الشحناء من أسباب حرمان المغفرة.

 

ويقول : «إنَّ الشيطان قد يَئِسَ أن يعبده المصلون» يعني: المؤمنون في جزيرة العرب، ولكن في التَّحريش بينهم لما رأى عدو الله إقبال المؤمنين ودخولهم في الإسلام يئس، ولكن بقي له النشاط في التحريش والشَّحناء.

ويأسه غير معصوم، ييأس من الشيء ويقع، ولهذا جاءت الأحاديث أنه: لا تقوم الساعة حتى تضطرب آلياتُ نساء دوسٍ حول ذي الخلصة، وقال: لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله، وقال: لا تقوم الساعة حتى يلحق حيٌّ من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئامٌ من أمتي الأوثان، فلا تقوم الساعة حتى يُنزع هذا الدين، ولا يبقى إلا الأشرار، فعليهم تقوم الساعة -نسأل الله العافية- في آخر الزمان يسوق الله ريحًا طيبةً بعد طلوع الشمس من مغربها فتقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، فلا يبقى إلا الأشرار، فعليهم تقوم الساعة.

 

وفي الحديث الآخر أنه إذا هجر فوق ثلاثٍ باء الذي لا يرجع بالإثم إلى النار، وهذا وعيدٌ شديدٌ يدل على أنه كبيرةٌ من الكبائر، وإذا هجره سنةً كان كسَفْكِ دمه، فهو يدل على عظم المصيبة، وعظم الإثم، وما ذاك إلا لما يترتب على الهجر من الشَّحناء، والعداوة، والتباغض، وقطيعة الرحم، وظهور المنكرات، إلى غير ذلك.

فالواجب على جميع المسلمين الحذر من هذا التهاجر، فإذا كان لخصومةٍ: دعوى بينك وبينه في أرض، أو في سيارة، أو في غير ذلك، يعني: خصومات بينهم، فالتهاجر ثلاثة أيام لا بأس؛ لأن النفوس يعتريها ما يعتريها، فسمح الله لنا بثلاثة أيام بسبب شدة الخصومة، فما زاد على الثلاث يُمنع، وهو من التَّهاجر في أمور الدنيا، والخصومات التي بين الناس.

 

أما ما يتعلَّق بالبدع والمعاصي: فليس من هذا الباب، فهذا يُهجر حتى يتوب، يستحق الهجر حتى يتوب، ولو مضت سنة أو سنوات حتى يتوب ويرجع إلى الله، فإذا أظهر إنسانٌ البدع أو المعاصي الظاهرة يُنْهَى عن هذا، ويُحَذَّر، ويُهْجَر، وقد هجر النبيُّ كعبَ بن مالك وصاحبيه لما تخلَّفوا عن غزوة تبوك بغير عذرٍ، هُجِرُوا خمسين ليلةً حتى تاب الله عليهم [٩].

فمَن أظهر المعاصي أو البدع يستحق الهجر حتى يتوب إلى الله ويرجع، كما يستحق التأديبَ أيضًا من ولاة الأمور على بدعته حتى يرجع عنها، وعلى ما أظهر من المعاصي حتى يتوب، وإن كان فيها حدٌّ وجب إقامةُ الحد. وفَّق الله الجميع.


[١] صحيح البخاري: (٦٠٦٥)، مسلم: (٢٥٦٣).

[٢] صحيح البخاري: (٦٠٧٧)، مسلم: (٢٥٦٠).

[٣] صحيح مسلم: (٢٥٦٥).

[٤] صحيح مسلم: (٢٨١٢).

[٥] صحيح أحمد: (٢/٣٩٢)، أبو داود: (٤٩١٤)، قال العراقي في تخريج "الإحياء" (٤/٢٢٣)، أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح.

[٦] صحيح أحمد: (٤/٣٢٠)، أبو داود: (٤٩١٥)، البخاري في "الأدب المفرد" رقم: (٤٠٤)، الحاكم: (٤/١٦٣) صححه ووافقه الذهبي، قال الحافظ العراقي رحمه الله، في تخريج "الإحياء" (٢/٢٢٣) إسناده صحيح حدرد بن أبي حدرد أبو خراش له صحبه، قال المزي في "تهذيب الكمال" (٥/٤٨٧): روى له البخاري في "الأدب" وأبو داود هذا الحديث الواحد.

[٧] ضعيف: أبو داود: (٤٩١٢)، قول أبو داود السجستاني رحمه الله تحت حديث (٤٩١٦)، "وبقية قوله" وإن عمر بن عبد العزيز غطى وجهه من رجل، قلت في سنده هلال بن أبي هلال المدني. قال الإمام أحمد في "العلل ومعرفة الرجال" (٢/٣٧): لا أعرفه.

[٨] صحيح البخاري: (٦٠٦٤)، مسلم: (٢٥٦٤).

[٩] أخرجه البخاري: في كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، وقول الله -عز وجل-: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: ١١٨] برقم (٤٤١٨)، ومسلم: في كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه رقم (٢٧٦٩).


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام Reviewed by احمد خليل on 1:22:00 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.