Top Ad unit 728 × 90

أخبار المدونة

احاديث نبوية شريفة

باب العلم قبل القول والعمل

فتح الباري لابن حجر شرح صحيح البخاري

باب – العلم – قبل – القول - والعمل

باب العلم قبل القول والعمل


فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ العِلْمِ بَابٌ: العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ

 

لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: ١٩] فَبَدَأَ بِالعِلْمِ «وَأَنَّ العُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَرَّثُوا العِلْمَ، مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ» وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨] وَقَالَ: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ} [العنكبوت: ٤٣] {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: ١٠] وَقَالَ: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٩] وَقَالَ النَّبِيُّ : «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» «وَإِنَّمَا العِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ» وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ -وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ- ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لَأَنْفَذْتُهَا. وَقَالَ أبْنُ عَبَّاسٍ: {كُونُوا رَبّانِيِّينَ} [آل عمران: ٧٩] "حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ، وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ العِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ".

 

الشرح:

قوله: (باب العلم قبل القول والعمل) قال ابن المنير: أراد أن العلم شرط في صحة القول والعمل فلا يعتبران إلا به فهو متقدم عليهما؛ لأنه مصحح النية المصححة للعمل فنبه المصنف على ذلك حتى لا يسبق إلى الذهن من قولهم إن العلم لا ينفع إلا بالعمل تهوين أمر العلم والتساهل في طلبه.

 

قوله: (فبدأ بالعلم) أي: حيث قال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ثم قال: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [محمد: ١٩] والخطاب وإن كان للنبي فهو متناول لأمته، واستدل سفيان بن عيينة بهذه الآية على فضل العلم كما أخرجه أبو نعيم في "الحلية" في ترجمته من طريق الربيع بن نافع عنه أنه تلاها فقال: الم تسمع أنه بدأ به فقال: اعلم. ثم أمره بالعمل وينتزع منها دليل ما يقوله المتكلمون من وجوب المعرفة، لكن النزاع كما قدمناه إنما هو في إيجاب تعلم الأدلة على القوانين المذكورة في كتب الكلام وقد تقدم شيء من هذا في "كتاب الإيمان".

 

قوله: (وأن العلماء) بفتح (أن) ويجوز كسرها على الحكاية ومن هنا إلى قوله: (وافر) طرف من حديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم مصححًا من حديث أبي الدرداء وحسنه حمزة الكناني وضعفه غيرهم بالاضطراب في سنده، لكن له شواهد يتقوى بها ولم يفصح المصنف بكونه حديثًا فلهذا لا يعد في تعاليقه، لكن إيراده له في الترجمة يشعر بأن له أصلًا وشاهده في القرآن قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: ٣٢]، ومناسبته للترجمة من جهة أن الوارث قائم مقام المورث فله حكمه فيما قام مقامه فيه.

 

قوله: (ورثوا) بتشديد الراء المفتوحة، أي: الأنبياء ويروى بتخفيفها مع الكسر أي: العلماء ويؤيد الأول ما عند الترمذي وغيره فيه: «وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورثوا العلم».

 

قوله: (بحظ) أي: نصيب.

 

قوله: (وافر) أي: كامل.

 

قوله: (ومن سلك طريقًا) هو من جملة الحديث المذكور، وقد أخرج هذه الجملة أيضًا مسلم من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في حديث غير هذا، وأخرجه الترمذي وقال حسن، قال ولم يقل له صحيح؛ لأنه يقال إن الأعمش دلس فيه فقال حدثت عن أبي صالح. قلت: لكن في رواية مسلم عن أبي أسامة عن الأعمش حدثنا أبو صالح فانتفت تهمة تدليسه.

 

قوله: (طريقًا) نكرها، ونكر (علمًا) ليتناول أنواع الطرق الموصلة إلى تحصيل العلوم الدينية وليندرج فيه القليل والكثير.

 

قوله: (سهل الله له طريقًا) أي: في الآخرة أو في الدنيا بأن يوفقه للأعمال الصالحة الموصلة إلى الجنة، أو فيه بشارة بتسهيل العلم على طالبه؛ لأن طلبه من الطرق الموصلة إلى الجنة.

 

قوله: (وقال) أي: الله عز وجل، وهو معطوف على قوله: (لقول الله تعالى). {إِنَّمَا يَخْشَى} [فاطر: ٢٨] أي: يخاف من الله من علم قدرته وسلطانه وهم العلماء قاله ابن عباس.

 

قوله: ({وَمَا يَعْقِلُهَا} [العنكبوت: ٤٣]) أي: الأمثال المضروبة.

 

قوله: ({لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} [الملك: ١٠]) أي: سمع من يعي ويفهم. ({أَوْ نَعْقِلُ} [الملك: ١٠]) عقل من يميز وهذه أوصاف أهل العلم فالمعنى لو كنا من أهل العلم لعلمنا ما يجب علينا فعملنا به فنجونا.


قوله: (وقال النبي : «من يرد الله به خيرًا يفقهه») كذا في رواية الأكثر وفي رواية المستملي: "يفهمه" بالهاء المشددة المكسورة بعدها ميم وقد وصله المؤلف باللفظ الأول بعد هذا ببابين كما سيأتي، وأما اللفظ الثاني فأخرجه ابن أبي عاصم في "كتاب العلم" من طريق ابن عمر عن عمر مرفوعًا وإسناده حسن، والفقه هو الفهم قال الله تعالى: {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: ٧٨] أي: لا يفهمون، والمراد به الفهم في الأحكام الشرعية.


قوله: «وإنما العلم بالتعلم» هو حديث مرفوع أيضًا أورده ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية أيضًا بلفظ: «يا أيها الناس تعلموا إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» إسناده حسن؛ لأن فيه مبهمًا اعتضد بمجيئه من وجه آخر، وروى البزار نحوه من حديث ابن مسعود موقوفًا، ورواه أبو نعيم الأصبهاني مرفوعًا، وفي الباب عن أبي الدرداء وغيره فلا يغتر بقول من جعله من كلام البخاري.

والمعنى ليس العلم المعتبر إلا المأخوذ من الأنبياء وورثتهم على سبيل التعلم.


قوله: (وقال أبو ذر) إلى آخره هذا التعليق رويناه موصولًا في "مسند الدارمي" وغيره من طريق الأوزاعي حدثني أبو كثير -يعني: مالك بن مرثد- عن أبيه قال: أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع عليه الناس يستفتونه فأتاه رجل فوقف عليه ثم قال: الم تنه عن الفتيا فرفع رأسه إليه فقال: أرقيب أنت علي لو وضعتم فذكر مثله.

 

ورويناه في "الحلية" من هذا الوجه، وبين أن الذي خاطبه رجل من قريش وأن الذي نهاه عن الفتيا عثمان -رضي الله عنه- وكان سبب ذلك أنه كان بالشام فاختلف مع معاوية في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: ٣٤] فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب خاصةً، وقال أبو ذر: نزلت فيهم وفينا، فكتب معاوية إلى عثمان فأرسل إلى أبي ذر فحصلت منازعة أدت إلى انتقال أبي ذر عن المدينة فسكن الربذة -بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة- إلى أن مات رواه النسائي.

وفيه دليل على أن أبا ذر كان لا يرى بطاعة الإمام إذا نهاه عن الفتيا؛ لأنه كان يرى أن ذلك واجب عليه لأمر النبي بالتبليغ عنه، كما تقدم ولعله أيضًا سمع الوعيد في حق من كتم علمًا يعلمه وسيأتي لعلي مع عثمان نحوه.


قوله: (الصمصامة) -بمهملتين الأولى مفتوحة- هو السيف الصارم الذي لا ينثني، وقيل: الذي له حد واحد.


قوله: (هذه) إشارة إلى القفا، وهو يذكر ويؤنث.

 

و(أنفذ) بضم الهمزة وكسر الفاء والذال معجمة، أي: أمضي و(تجيزوا) بضم المثناة وكسر الجيم وبعد الياء زاي، أي: تكملوا قتلي ونكر (كلمةً) لي "تاء وياء معًا" شمل القليل والكثير، والمراد أنه يبلغ ما تحمله في كل حال ولا ينتهي عن ذلك ولو أشرف على القتل و(لو) في كلامه لمجرد الشرط من غير أن يلاحظ الامتناع أو المراد أن الإنفاذ حاصل على تقدير وضع الصمصامة وعلى تقدير عدمه حصوله أولى فهو مثل قوله: «لو لم يخف الله لم يعصه».
وفيه الحث على تعليم العلم واحتمال المشقة فيه والصبر على الأذى طلبًا للثواب.


قوله: (وقال ابن عباس) هذا التعليق وصله ابن أبي عاصم أيضًا بإسناد حسن والخطيب بإسناد آخر حسن وقد فسر ابن عباس: "الرباني" بأنه الحليم الفقيه، ووافقه ابن مسعود فيما رواه إبراهيم الحربي في "غريبه" عنه بإسناد صحيح، وقال الأصمعي والإسماعيلي: "الرباني" نسبة إلى "الرب" أي: الذي يقصد قصد ما أمره الرب بقصده من العلم والعمل، وقال ثعلب: قيل للعلماء ربانيون؛ لأنهم يربون العلم أي: يقومون به وزيدت الالف والنون للمبالغة، والحاصل أنه اختلف في هذه النسبة هل هي نسبة إلى الرب أو إلى التربية، والتربية على هذا للعلم وعلى ما حكاه البخاري لمتعلميه.


والمراد (بصغار العلم): ما وضح من مسائله وبكباره ما دق منها، وقيل: يعلمهم جزئياته قبل كلياته أو فروعه قبل أصوله أو مقدماته قبل مقاصده.

وقال ابن الأعرابي: لا يقال للعالم رباني حتى يكون عالمًا معلمًا عاملًا.

 

(فائدة): اقتصر المصنف في هذا الباب على ما أورده من غير أن يورد حديثًا موصولًا على شرطه فإما أن يكون بيض له ليورد فيه ما يثبت على شرطه أو يكون تعمد ذلك اكتفاءً بما ذكر. والله أعلم.


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

باب العلم قبل القول والعمل Reviewed by احمد خليل on 7:16:00 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.