لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا
فتح الباري
شرح صحيح البخاري لابن حجر
لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا
فتح
الباري شرح صحيح البخاري: كتاب الإيمان بَابُ زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ
حَدَّثَنَا
الحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، سَمِعَ جَعْفَرَ بْنَ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
العُمَيْسِ، أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ
عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، أَنَّ رَجُلًا، مِنَ اليَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ
المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ
اليَهُودِ نَزَلَتْ، لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟
قَالَ: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة:
٣]
قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ
فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ،
وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ.
الشرح:
قوله:
(حدثنا الحسن بن الصباح سمع جعفر بن عون) مراده: "أنه سمع" وجرت عادتهم
بحذف "أنه" في مثل هذا خطا لا نطقا كقال.
قوله:
(أن رجلا من اليهود) هذا الرجل هو كعب الأحبار، بين ذلك مسدد في مسنده والطبري في
تفسيره والطبراني في الأوسط كلهم من طريق رجاء بن أبي سلمة عن عبادة بن نسي بضم
النون وفتح المهملة عن إسحاق بن خرشة عن قبيصة بن ذؤيب عن كعب.
وللمصنف
في المغازي من طريق الثوري عن قيس بن مسلم أن ناسا من اليهود. وله في التفسير من
هذا الوجه بلفظ: قالت اليهود. فيحمل على أنهم كانوا حين سؤال كعب عن ذلك جماعة،
وتكلم كعب على لسانهم.
قوله:
(لاتخذنا... إلخ) أي: لعظمناه وجعلناه عيدا لنا في كل سنة لعظم ما حصل فيه من
إكمال الدين. والعيد فعل من العود، وإنما سمي به لأنه يعود في كل عام.
قوله:
(نزلت فيه على النبي ﷺ)
زاد مسلم عن عبد بن حميد عن جعفر بن عون في هذا الحديث ولفظه: إني لأعلم اليوم
الذي أنزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، وزاد عن جعفر بن عون: "والساعة التي
نزلت فيها" على النبي ﷺ،
فإن قيل: كيف طابق الجواب السؤال لأنه قال: لاتخذناه عيدا، وأجاب عمر رضي الله
عنه، بمعرفة الوقت والمكان، ولم يقل جعلناه عيدا؟ والجواب عن هذا: أنها نزلت في
أخريات نهار عرفة، ويوم العيد إنما يتحقق بأوله.
وقد
قال الفقهاء: إن رؤية الهلال بعد الزوال للقابلة، قاله هكذا بعض من تقدم، وعندي:
أن هذه الرواية اكتفى فيها بالإشارة، وإلا فرواية إسحاق عن قبيصة التي قدمناها قد
نصت على المراد، ولفظه: "نزلت يوم جمعة يوم عرفة" وكلاهما بحمد الله لنا
عيد.
لفظ
الطبري والطبراني: "وهما لنا عيدان" وكذا عند الترمذي من حديث بن عباس:
"أن يهوديا سأله عن ذلك فقال: نزلت في يوم عيدين، يوم جمعة ويوم عرفة"
فظهر أن الجواب تضمن أنهم اتخذوا ذلك اليوم عيدا وهو يوم الجمعة، واتخذوا يوم عرفة
عيدا لأنه ليلة العيد، وهكذا كما جاء في الحديث الآتي في الصيام: "شهرا عيد
لا ينقصان: رمضان وذو الحجة" فسمي رمضان عيدا لأنه يعقبه العيد. فإن قيل: كيف
دلت هذه القصة على ترجمة الباب؟ أجيب: من جهة أنها بينت أن نزولها كان بعرفة، وكان
ذلك في حجة الوداع التي هي آخر عهد البعثة حين تمت الشريعة وأركانها. والله أعلم.
وقد
جزم السدي بأنه لم ينزل بعد هذه الآية شيء من الحلال والحرام.
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن
المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: