باب ما يباح من الغيبة
كتاب الأمور
المنهي عنها: باب مَا يُباح من الغيبة
شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
باب ما يباح من الغيبة
أحاديث رياض الصالحين: كتاب الأمور المنهي عنها: باب مَا يُباح من
الغيبة
اعْلَمْ
أنَّ الغِيبَةَ تُبَاحُ لِغَرَضٍ صَحيحٍ شَرْعِيٍّ لا يُمْكِنُ الوُصُولُ إِلَيْهِ
إِلاَّ بِهَا، وَهُوَ سِتَّةُ أسْبَابٍ:
الأَوَّلُ:
التَّظَلُّمُ، فَيَجُوزُ لِلمَظْلُومِ أنْ يَتَظَلَّمَ إِلَى السُّلْطَانِ
والقَاضِي وغَيرِهِما مِمَّنْ لَهُ وِلاَيَةٌ، أَوْ قُدْرَةٌ عَلَى إنْصَافِهِ
مِنْ ظَالِمِهِ، فيقول: ظَلَمَنِي فُلاَنٌ بكذا.
الثَّاني:
الاسْتِعانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ المُنْكَرِ، وَرَدِّ العَاصِي إِلَى الصَّوابِ،
فيقولُ لِمَنْ يَرْجُو قُدْرَتهُ عَلَى إزالَةِ المُنْكَرِ: فُلانٌ يَعْمَلُ كَذا،
فازْجُرْهُ عَنْهُ ونحو ذَلِكَ، ويكونُ مَقْصُودُهُ التَّوَصُّلُ إِلَى إزالَةِ
المُنْكَرِ، فَإنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ كَانَ حَرَامًا.
الثَّالِثُ:
الاسْتِفْتَاءُ، فيقُولُ لِلمُفْتِي: ظَلَمَنِي أَبي، أَوْ أخي، أَوْ زوجي، أَوْ
فُلانٌ بكَذَا، فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ وَمَا طَريقي في الخلاصِ مِنْهُ، وتَحْصيلِ
حَقِّي، وَدَفْعِ الظُّلْمِ؟ وَنَحْو ذَلِكَ، فهذا جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ، ولكِنَّ
الأحْوطَ والأفضَلَ أنْ يقول: مَا تقولُ في رَجُلٍ أَوْ شَخْصٍ، أَوْ زَوْجٍ،
كَانَ مِنْ أمْرِهِ كذا، فَإنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الغَرَضُ مِنْ غَيرِ تَعْيينٍ
وَمَعَ ذَلِكَ فالتَّعْيينُ جَائِزٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ في حَدِيثِ هِنْدٍ إنْ
شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
الرَّابعُ:
تحذير المسلمين مِنَ الشَّرِّ وَنَصِيحَتُهُمْ، وذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:
مِنْهَا:
جَرْحُ المَجْرُوحينَ مِنَ الرُّواةِ والشُّهُودِ، وذلكَ جَائِزٌ بإجْمَاعِ
المُسْلِمينَ، بَلْ وَاجِبٌ للْحَاجَةِ.
ومنها:
المُشَاوَرَةُ في مُصاهَرَةِ إنْسانٍ، أو مُشاركتِهِ، أَوْ إيداعِهِ، أو معاملته،
أو غير ذَلِكَ، أَوْ مُجَاوَرَتِهِ، ويجبُ عَلَى المشاوَر أنْ لا يخفي حاله، بل
يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة.
ومنها:
إِذَا رأى مُتَفَقِّهًا يَتَرَدَّدُ إِلَى مُبْتَدِعٍ، أَوْ فَاسِقٍ يَأَخُذُ
عَنْهُ العِلْمَ، وخَافَ أنْ يَتَضَرَّرَ المُتَفَقِّهُ بِذَلِكَ، فَعَلَيْهِ
نَصِيحَتُهُ بِبَيانِ حَالِهِ، بِشَرْطِ أنْ يَقْصِدَ النَّصِيحَةَ، وَهَذا مِمَّا
يُغلَطُ فِيهِ. وَقَدْ يَحمِلُ المُتَكَلِّمَ بِذلِكَ الحَسَدُ، وَيُلَبِّسُ
الشيطان عَلَيْهِ ذَلِكَ، ويُخَيْلُ إِلَيْهِ أنَّهُ نَصِيحَةٌ فَليُتَفَطَّنْ
لذلك.
ومنها:
أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها، إما بأن لا يكون صَالِحًا لَهَا، وإما
بِأنْ يكونَ فَاسِقًا، أَوْ مُغَفَّلًا، وَنَحوَ ذَلِكَ فَيَجِبُ ذِكْرُ ذَلِكَ
لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ ولايةٌ عامَّةٌ لِيُزيلَهُ، وَيُوَلِّيَ مَنْ يُصْلحُ، أَوْ
يَعْلَمَ ذَلِكَ مِنْهُ لِيُعَامِلَهُ بِمُقْتَضَى حالِهِ، وَلاَ يَغْتَرَّ بِهِ،
وأنْ يَسْعَى في أنْ يَحُثَّهُ عَلَى الاسْتِقَامَةِ أَوْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ.
الخامِسُ:
أنْ يَكُونَ مُجَاهِرًا بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ كالمُجَاهِرِ بِشُرْبِ
الخَمْرِ، ومُصَادَرَةِ النَّاسِ، وأَخْذِ المَكْسِ؛ وجِبَايَةِ الأمْوَالِ
ظُلْمًا وَتَوَلِّي الأمُورِ الباطِلَةِ، فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِمَا يُجَاهِرُ
بِهِ؛ وَيَحْرُمُ ذِكْرُهُ بِغَيْرِهِ مِنَ العُيُوبِ، إِلاَّ أنْ يكونَ
لِجَوازِهِ سَبَبٌ آخر مما ذكرناه.
السَّادِسُ:
التعرِيفُ، فإذا كَانَ الإنْسانُ مَعْرُوفًا بِلَقَبٍ، كالأعْمَشِ، والأعرَجِ،
والأَصَمِّ، والأعْمى، والأحْوَلِ، وغَيْرِهِمْ جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه
على جهة التنقص، ولو أمكن تعريفهم بِغَيرِ ذَلِكَ كَانَ أوْلَى.
فهذه
ستَّةُ أسبابٍ ذَكَرَهَا العُلَمَاءُ وأكثَرُها مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَدَلائِلُهَا
مِنَ الأحادِيثِ الصَّحيحَةِ مشهورَةٌ.
فمن
ذَلِكَ:
١٥٣٩ -
عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّه عَنْهَا-
أنَّ رَجُلًا استأْذَن عَلي النبيّ ﷺ فقَالَ: «ائذَنُوا لهُ، بِئسَ أخُو العشِيرَةِ؟» متفقٌ
عَلَيْهِ.
احْتَجَّ بهِ البخاري في جَوازِ غيبةِ
أهلِ الفسادِ وأهلِ الرِّيبِ.
١٥٤٠ -
عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّه عَنْهَا-
قَالَتْ: قَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ:
«مَا أَظُن فُلانًا وفُلانًا يعرِفَانِ مِنْ دِينِنَا
شَيْئًا» رواه البخاريُّ.
قَالَ الليثُ بنُ سعْدٍ أحدُ رُواةِ
هَذَا الحَدِيثِ: هذَانِ الرَّجُلانِ كَانَا مِنَ المُنَافِقِينَ.
الشيخ:
الحمد لله، وصل الله وسلم على رسول الله،
وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الكلمات وضح بها المؤلف صفات الغيبة
المباحة وتعريفها وأقسامها، الغيبة محرمة كما تقدم، وهي ذكرك أخاك بما يكره هذه
الغيبة ذكرك أخاك بما يكره قال تعالى: {وَلَا
يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: ١٢] لأنها تسبب
الفساد والشحناء والعداوة والبغضاء فلهذا حرمها الله سبحانه وتعالى، لكن تجوز في
حالات ومواضع ستة بينها المؤلف لحاجة إليها جمعها بعضهم في بيتين فقال:
الذم ليس بغيبة
في ستة متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر
فسق ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة
منكر
هذه الستة شرحها المؤلف هنا
الذم ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسق ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
متظلم يقول: ظلمني فلان، أخذ مالي، فعل
بي كذا وكذا، يشكوه إلى الحاكم أو إلى الأمير بما جرى منه لأنه مضطر لهذا الشيء.
أو معرف يقول: فلان الأعمش، أو فلان
الأعرج، أو فلان الأبرص، أو ما أشبه ذلك، الأعمى أو الأعور ما هو بالقصد الذم، مثل
ما جاء في الرواة عن الأعمش عن الأعرج لأنهم عرفوا بهذا الشيء.
أو محذر من شر إنسان لا خير فيه قد يخفى
على بعض الناس، إذا جلس مع بعض الناس يحذر منه يقول: ترى هذا ما يصلح، ينصح أخاه
مثل ما قال النبي ﷺ
لفاطمة بنت قيس لما استشارته في الزواج من جماعة خطبوها منهم: أبي جهم ومعاوية
وأسامة بن زيد وجماعة نصحها قال: «معاوية صلعوك لا
مال له، وأبو جهم لا يضع العصا عن عاتقه، انكحي أسامة»، وهكذا المستفتي
جاءت هند قالت يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني من النفقة
فهل آخذ من ماله بغير علمه ما يكفيني وأولادي قال النبي ﷺ: «خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك»، مستفتية
تقول للقاضي أو المفتي: زوجي يقصر في حقي، زوجي فعل كذا، يفتيها بما يلزم.
وهكذا من أظهر الفسق، إنسان أظهر
المعاصي: الخمر الربا وغير هذا من المعاصي الظاهرة هذا لا غيبة له فيما أظهر، ومن
هذا قول النبي ﷺ
لما استأذن عليه رجل قال: «ائذنوا له بئس أخو العشيرة»
هذه غيبة، لكن هذا مظهر لشهر، لكن قال: «بئس أخو
العشيرة» يحذر الناس منه، ومثل قوله: «فلان وفلان لا يعرفان من ديننا شيئا»
لأنهما قد أظهرا الشر المنافقين، وكذلك قول الصحابة لما مر عليهم بجنازة فأثنوا
عليها شرا، فقال النبي ﷺ:
«وجبت» أثنوا عليها شرا بسبب ما أظهر لأن
صاحبها قد أظهر الشر، فلهذا أثنوا عليها شرا.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: