باب تحريم النميمة
كتاب الأمور المنهي عنها: باب تحريم النميمة وهي نقل الكلام بَيْنَ الناس عَلَى جهة الإِفساد
شرح العلامة الشيخ عبد
العزيز بن عبد الله بن باز
باب تحريم النميمة
أحاديث
رياض الصالحين: كتاب الأمور المنهي عنها: باب تحريم النميمة وهي نقل الكلام بَيْنَ
الناس عَلَى جهة الإِفساد
قَالَ الله تَعَالَى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [ن: ١١]، وقال تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٨].
١٥٤٤ - وعَنْ حذَيْفَةَ -رضي الله عنه- قالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: «لا يَدْخُلُ الجنةَ نمَّامٌ» متفقٌ عَلَيْهِ.
١٥٤٥ - وعَنْ ابن
عَباسٍ -رضي اللَّه عَنْهُمَا- أنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ: مرَّ بِقَبريْنِ فَقَالَ: «إنَّهُمَا
يُعَذَّبان، وَمَا يُعَذَّبَانِ في كَبيرٍ، بَلي إنَّهُ كَبيرٌ: أمَّا أحَدُهمَا،
فَكَانَ يمشِي بالنَّمِيمَةِ، وأمَّا الآخرُ فَكَانَ لاَ يسْتَتِرُ مِنْ بولِه».
متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ إحدى روايات البخاري.
قالَ العُلَماءُ: معْنَى: «وَمَا يُعَذَّبَانِ في كَبيرٍ» أيْ: كَبيرٍ في زَعْمِهما وقيلَ: كَبِيرٌ تَرْكُهُ عَلَيهما.
١٥٤٦ - وعن ابن
مسْعُودٍ -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيّ ﷺ قَالَ: «أَلاَ أُنَبِّئكُم
مَا العَضْهُ؟ هي النَّمِيمةُ، القَالَةُ بيْنَ النَّاسِ» رواه مسلم.
«العَضْهُ»:
بفَتْح العين المُهْمَلَةِ، وإسْكان الضَّادِ المُعْجَمَةِ، وبالهاءِ عَلَى وزنِ
الوجهِ، ورُوي: «العِضَةُ» بِكسْرِ العَيْنِ وفَتْحِ الضَّادِ المُعْجَمَةِ عَلي
وَزْنِ العِدَةِ، وهِي: الكذِبُ والبُهتانُ، وعَلي الرِّواية الأولى: العَضْهُ
مصدرٌ، يقال: عَضَهَهُ عَضْهًا، أيْ: رماهُ بالعَضْهِ.
الشيخ:
الحمد لله، وصل الله وسلم على رسول الله، وعلى
آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات مع الأحاديث فيما يتعلق بالنميمة،
تقدم الكلام في الغيبة وما فيها من الأحاديث وما فيها من الشر والفساد وأنها تسبب
الشحناء والعداوة والبغضاء والفاحشة، وهذه النميمة أيضا تسبب الشر والشحناء
والعداوة والبغضاء بين الناس، وهي نقل الكلام السيئ من شخص إلى شخص، أو من قبيلة
إلى قبيلة، أو من جماعة إلى جماعة، أو من أهل بلد إلى أهل بلد كأن يقول فلان يقول
فيك: إنك بخيل، يقول فيك: إنك جبان، يقول فيك: إنك كذا وكذا مما يكره، ينقل الكلام
السيئ فذاك يجد في نفسه عند النقل، قد يبطش بالرجل وقد يؤذيه وقد ينم عليه بأكثر
إلى غير ذلك، فهي طريق شر وطريق فساد.
ولهذا قال الله سبحانه: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ
بِنَمِيمٍ} [القلم: ١٠-١١]
نهى الله نبيه أن يطيع هؤلاء الهمازين المشائين بالنميمة لأنهم مفسدون، فالواجب
الحذر منهم والإنكار عليهم إذا نقلوا، إذا نقل الشيء قل: لا تنقل إليّ كما قال ﷺ: «إني
أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر» فلا ينبغي للعاقل -لا ينبغي للمسلم- أن
ينقل الكلام السيئ، قد يتساهل بعض الناس يتكلم عندك بشيء فلا تنقل تقول: فلان قال
فيك وقال فيك، أو في المرأة كذلك سواء رجل أو امرأة.
وقال جل وعلا: {مَا
يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٨]. أقوالك مضبوطة
ومحفوظة ومكتوبة عليك، فاحذر أن تتكلم بشيء يضرك ويكتب في سيئات أعمالك، ويقول جل
وعلا: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا
كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: ١٠-١٢] فهم كرام يكتبون
قولك وعملك فاحفظ هذا اللسان حتى لا تقول إلا خيرا، يقول ﷺ: «من
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» هذا هو الجماع -جماع
السلامة- إما الخير وإما الصمت.
يقول ﷺ: «لا
يدخل الجنة نمام» وفي اللفظ الآخر: «قتات»
متفق على صحته، والقتات والنمام هو الذي ينقل الكلام السيئ من شخص إلى شخص، أو من
جماعة إلى جماعة.
وهكذا قوله ﷺ: أنه مر على قبرين يعذبان
وما يعذبان في كبير يعني: كبير في اعتقادهما، أو المعنى شاق عليهما يعني: شيء ما
يكلف، ولهذا في اللفظ الآخر: بلى، يعني: بلى إنه لكبير من كبائر الذنوب أما أحدهما
فكان لا يستتر من البول وفي لفظ: لا يتنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي
بالنميمة.
بين ﷺ أنهما يعذبان في قبورهما
بأسباب هذين الذنبين: عدم التنزه من البول، والمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة فشقهما
نصفين فغرز على كل قبر واحدة وقال: «لعله يخفف عنهما
ما لم ييبسا»، هذا خاص بهما لا يقاس عليهما غيرهما لأن الرسول ﷺ أطلعه الله على عذابهما ففعل
هذا، أما بقية القبور لا نعرف عذابهم ولا نجعل عليهم جرائد لأنه ﷺ ما جعل في قبور البقيع ولا
غيرها جرائد، إنما جعل على هذين القبرين اللذين أطلعه الله على عذابهما، والشاهد
قوله: أن الآخر كان يمشي بالنميمة، فيه الحذر من النميمة وأنها من أسباب عذاب
القبر مع عذاب النار، نسأل الله العافية.
الحديث الثالث يقول ﷺ: «إلا
أنبئكم ما العضه؟» يعني: ما هو السحر، أو ما هو الشر، أو ما هو القطع،
يعني: ما هو الشيء الضار كثير النميمة، «القالة بين
الناس» لأنها تعمل عمل السحر، التفريق بين الناس والشحناء والعداوة، فالعضه
تطلق على السحر ويطلق على النميمة ويطلق على الشيء الذي لا خير فيه، فالمعنى إلا
أنبئكم عن الشر الكبير أو المنكر العظيم النميمة، القالة بين الناس يعني: الفاشية
بين الناس، كثير من الناس يتلذذ بنقل الكلام السيئ ويتلذذ بالغيبة ويتلذذ بكل شيء
يفرق، طبيعته الشر فلا يرتاح حتى ينقل الكلام السيئ أو يغتاب الناس، فاحذر أن تكون
مثله، يعني: احذر إطلاق لسانك فيما يضرك أو يسبب الشحناء والعداوة بين الناس
كالنميمة والغيبة، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: