كتاب الدعوات: باب في مسائل من الدعاء
شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله
بن باز
شرح حديث / أيّ الدعاء أسمع
أحاديث رياض
الصالحين: باب في مسائل من الدعاء
١٥٠٧ - وَعَنْ
أبي هريرة أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ
قَالَ: «يُسْتجَابُ لأَحَدِكُم مَا لَم يعْجلْ:
يقُولُ قَد دَعوتُ رَبِّي، فَلم يسْتَجبْ لِي». متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي رِوَايَةٍ
لمُسْلِمٍ: «لا يزَالُ يُسْتَجَابُ لِلعَبْدِ مَا لَم
يدعُ بإِثمٍ، أَوْ قَطِيعةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتعْجِلْ» قِيلَ: يَا
رسُولَ اللَّهِ مَا الاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: «يَقُولُ:
قَدْ دعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَم أَرَ يَسْتَجِيبُ لي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْد
ذَلِكَ، ويَدَعُ الدُّعَاءَ».
١٥٠٨ -
وَعَنْ أَبي أُمامَةَ -رضي اللَّه
عنْهُ- قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمعُ؟
قَالَ: «جوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرَ
الصَّلَوَاتِ المكْتُوباتِ» رواه الترمذي وقالَ: حديثٌ حسنٌ.
١٥٠٩ -
وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي اللَّه
عنْهُ- أَنَّ رسُولَ اللَّهِ ﷺ
قَالَ: «مَا عَلي الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّه
تَعالى بِدَعْوَةٍ إِلاَّ آتَاهُ اللَّه إِيَّاهَا، أَوْ صَرَف عنْهُ مِنَ
السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَم يدْعُ بإِثْم، أَوْ قَطِيعَةِ رحِمٍ» فَقَالَ
رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: «اللَّه
أَكْثَرُ».
رواه
الترمذي وقال: حَدِيثٌ حَسنٌ صَحِيحٌ، وَرَواهُ الحاكِمُ مِنْ رِوايةِ أَبي سعيِدٍ
وَزَاد فِيهِ: «أَوْ يَدَّخر لهُ مِنَ الأَجْرِ
مِثْلَها».
١٥١٠ -
وعَنِ أبْنِ عَبَّاسٍ -رضي اللَّه عنْهُما-
أَنَّ رسُولَ اللَّه ﷺ
كَان يقُولُ عِنْد الكرْبِ: «لا إِلَه إِلاَّ اللَّه
العظِيمُ الحلِيمُ، لا إِله إِلاَّ اللَّه رَبُّ العَرْشِ العظِيمِ، لا إِلَهَ
إِلاَّ اللَّه رَبُّ السمَواتِ، وربُّ الأَرْض، ورَبُّ العرشِ الكريمِ»
متفقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ:
الحمد لله،
وصل الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه
الأحاديث وما جاء في معناها مع الآيات الكريمات كلها تدل على شرعية الإكثار من
الدعاء والاستمرار في الدعاء ولو لم ير الاستجابة، فإن الله سبحانه، له الحكمة
البالغة فقد يؤجل الدعوة إلى أمد ليجتهد العبد في الدعاء ويلح في الدعاء ويستقيم
على الحق ويحاسب نفسه ويجاهدها لله، فتكون هذه الحاجة من أسباب صلاحه ومن أسباب
توفيق الله له، فينبغي له أن يلح في الدعاء ويجتهد ويحاسب نفسه، قد تكون الدعوة
أجلت لأنه مقيم على معصية ما تاب منها، أجلت لمصلحة له في الدنيا، لمصلحة له في
الآخرة، فربك أعلم وأحكم، ولهذا قال ﷺ: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل
فيستحسر، ويقول: دعوت ودعوت فلم أراه يستجاب لي، وفي اللفظ الآخر: يستجاب لأحدكم
ما لم يدعو بإثم أو قطيعة رحم وما لم يستحسر قالوا: يا رسول الله كيف يستحسر؟ قال:
يقول: دعوت ودعوت فلم أره يستجاب لي فيستحسر عند هذا ويدع الدعاء، وفي اللفظ
الآخر: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم وإن الله -جل وعلا- يعطي العبد
بدعوته إحدى ثلاث: أما أن تعجل له دعوته في الدنيا: وإما أن تدخر له في الآخرة:
وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك، قالوا: يا رسول الله إذًا نكثر، قال: الله
أكثر.
فأنت يا عبد
الله لا تيأس ولا تقنط ولا تمل من الدعاء، اجتهد في الدعاء وانتظر الإجابة واعلم
أن ربك حكيم عليم، قد يؤجلها سنة سنتين ثلاث أكثر لحكمة بالغة، هو أعلم بمصالحك
وأعلم بأسباب هدايتك وأعلم بما يصلحك وينفعك وينفع غيرك، قد تكون عندك ذنوب وسيئات
لم تتب منها فأجلت الدعوة لأجل هذا، قد تكون الدعوة فيها إثم، فيها قطيعة رحم
فصارت سببًا لعدم إجابتها، قد يكون هناك مطعم حرام من الربا أو السرقة أو الانتهاب
أو الخيانة، أو هناك قطيعة رحم أو هناك عقوق والدين أو هناك أشياء أخرى، فتش حاسب
نفسك لا تتهم ربك، فربك حكيم عليم يقول سبحانه: {إِنَّ
رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: ٨٣]، {إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: ١١] عليم بأحوال عباده حكيم
فيما يعمل كيف يصنع؟ كيف يعمل؟ كيف يجيب الدعوة؟ ماذا يترتب عليها؟ هو حكيم -جل
وعلا- في منعك، وفي إجابتك، وفي تأخير الإجابة، لا تسء الظن بربك ولكن أسء الظن
بنفسك وحاسبها وجاهدها، فالمجاهد من جاهد نفسه، فظن بربك الخير وظن بنفسك الشر ثم
استقم على جهادها حتى تنجح، حتى تربح، حتى تجاب دعوتك، يقول سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ
دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي
لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: ١٨٦].
فاستجب لله
وآمن به بالاستقامة بطاعة ربك، بالثبات على الحق، بترك المعاصي.
ومن ساعات
الإجابة جوف الليل ولاسيما الآخر، السدس الرابع والخامس الذي هو محل صلاة داود عليه
الصلاة والسلام، وهكذا السدس الأخير كلها محل إجابة، السدس الرابع والخامس التنزل
الإلهي ينزل ربنا حين يبقى ثلث الليل الأخير في السدس الرابع والخامس والسادس،
والسدس الرابع في محل قيام داود عليه الصلاة والسلام، أحب الصلاة صلاة داود، كان
ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، ويقول ﷺ: إن في الليل ساعة لا يرد فيها
سائل.
فاغتنم
التهجد بالليل والدعاء والضراعة إلى الله في ساعة الليل ولاسيما ساعات النصف
الأخير لعلك تنجح، ثم على الأقل أنت على أجر في الدعاء، تؤجر تكتب لك حسنات حتى
ولو لم يستجب لك، فنفس الدعاء عمل صالح تؤجر عليه ولك فيه ثواب، ثم لك أيضا أمر
آخر وهو أن ما من عبد يدعو الله بدعوة لأخيه إلا قال الملك الموكل: آمين ولك مثله،
فإذا دعوت لوالديك أو لإخوانك المسلمين أو لشخص معين بالتوفيق والهداية وصلاح
الحال، قال الموكل: آمين ولك بمثله، فأنت على خير في دعائك لنفسك ولوالديك ولولاة
الأمور بالتوفيق والهداية وللمسلمين جميعا، أنت على خير فادع لوالديك المسلمين
وادع لولاة الأمور بالتوفيق والهداية والصلاح وصلاح البطانة في جوف الليل، اجتهد
في الدعاء لولاة الأمور أن الله يوفقهم ويصلح لهم البطانة ويعينهم على كل خير
ويمنحهم التوفيق لصالح الإسلام والمسلمين، تدعو لوالديك المسلمين لإخوانك المسلمين
لأولادك لزوجتك لجيرانك المسلمين لغيرهم، أنت على خير في دعائك تؤجر وتثاب حتى ولو
لم يستجب لك، أنت على خير وقد تؤجل الإجابة، ولكن الأجر جار لك الأجر ولك الحسنات
في هذا الدعاء والضراعة إلى الله، أنت مأجور حتى لو لم يستجب لك أنت على خير عظيم.
ويقول ﷺ في دعاء
الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله
إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم الأول الحليم، والثاني العظيم،
والثالث الكريم، لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم،
لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم تذكر الله، تدعو مع هذا
الذكر، تدعو ربك تسأله خيري الدنيا والآخرة، اللهم يسر لي الذرية الصالحة، اللهم
يسر لي زوجة صالحة، اللهم يسر لي رزقا حلالا، اللهم أصلح ولاة أمرنا، اللهم وفقهم
لكل خير، اللهم أصلح لهم البطانة، اللهم انصر بهم الحق، اللهم أعذهم من بطانة
السوء، اللهم اغفر لوالدي، اللهم اجزهم عني خيرا -إذا كانا مسلمين-، اللهم أصلح
إخواني المسلمين، اللهم وفقهم للخير، اللهم أصلح قلوبهم وأعمالهم، وهكذا تختار
الدعوات الطيبة لنفسك ولأقاربك ولذريتك ولولاة الأمور -ولاة أمر المسلمين- ولعامة
المسلمين مع الصدق، مع الإخلاص، مع الضراعة إلى الله، ويكون القلب حاضرا والرغبة
صادقة فيما عند الله ترجو ثوابه وتخشى عقابه وترجو الإجابة وأنت صادق، هذه كلها من
أسباب التوفيق ومن أسباب الإجابة ومن أسباب الأجر العظيم حتى ولو تأخرت الإجابة
أنت على أجر عظيم، وفي حسنات بهذا الدعاء حسنات تكتب لك، نسأل الله للجميع التوفيق
والهداية.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
